إذا ما غصنا أكثر في العقلية الجيوسياسية الروسية فإننا سنجد أن جزء من الأساس المنطقي الروسي لغزو أوكرانيا هو نظرية “قلب العالم” التي صاغها هالفورد ماكيندر عام 1904.
ونظرية “قلب العالم” الجيوسياسية (لمن لا يعرفها) فإنها تقسم العالم إلى ثلاثة أجزاء. الجزء الأول هو جزيرة العالم، والتي تتكون من أوروبا وآسيا وأفريقيا. ويشير الجزء الثاني إلى الجزر البحرية مثل الجزر البريطانية والأرخبيل الياباني، بينما يشير الجزء الثالث إلى الأميركيتين وأستراليا باسم الجزر النائية.
وضمن هذه المعايير ، هناك تركيز خاص على جزيرة العالم لأنها أكبر كتلة من الأرض من حيث عدد السكان والأكثر ثراءً بالموارد.
وبحسب ماكيندر فإن داخل جزيرة العالم، توجد منطقة القلب التي تمتد من نهر الفولغا إلى نهر اليانغتسي ومن القطب الشمالي إلى بحر قزوين.
ومنطقة القلب هذه هي المجال الذي يمكن لقوة واحدة أن تهيمن من خلاله على بقية جزيرة العالم، بشرط أن تتمتع القوة بالاستقرار.
وهنا تكون روسيا هي القوة التي تكمن في قلب هذه النظرية ، وهذا هو السبب في أنها تتناسب مع السياسة الخارجية الروسية.
ورغم أنّ نظرية ماكيندر تجادل بأنّ المنطقة الأصلية لقوة القلب تقع في أوروبا الشرقية. فإن أي قوة تسعى إلى السيادة العالمية ستنشأ من النصف الشرقي للقارة الأوروبية وبالتالي فإنها مجرد إشارة إلى روسيا.
وقد كانت نظرية ماكيندر منذ البداية بمثابة تحذير للقوى الأوروبية، وأصبحت فيما بعد المصير الواضح للاتحاد السوفيتي كما أنها شكلت مسار الحرب الباردة وبقوتها فإنها لا تزال تهيمن على التفكير الجيوسياسي الروسي حتى يومنا هذا.
وهي ما دفعت ألكسندر دوغين، للدفاع باستمرار عن قوة أوراسية مقرها روسيا. فيما لا تزال نخبة صنع السياسة الروسية المعروفة باسم سيلوفيكي ملتزمة بنظرية ماكيندر.
في المحصلة، قد يستغرب البعض استخدام نظرية جيوسياسية عمرها قرن من الزمان كنموذج في السياسة الخارجية. إنما الشيء الوحيد الذي يحافظ على أهمية نظرية ماكيندر هو دائرة الجغرافيا. ومهما تعاظمت قوة الدول فإنها لا تستطيع تجاوز الجغرافية التي تحدد مكانة وأهمية وقوة الدول..
لذا فإن السيطرة على أوروبا الشرقية ستسمح لروسيا باستعادة مكانتها العالمية وبالتالي فإن أوكرانيا هي فقط المحطة الأولى. وهذا ما يخيف الغرب حتماً..