هادي جلو مرعي*
على مسافة من فندق بابل الشهير ولدت في ليلة باردة، كانت الكرادة والمناطق المتصلة بها كالزوية والجادرية جزءاَ من ملحمة واحدة، يشمّ قارؤها رائحة الرازقي الجوري والأوراد والأشجار العطرية.
عندما كبرت وابتعدت عنها، صرتُ أعود كأني أدخل الجنة من أبوابها الواسعة، وأعود لأشم تلك الروائح الزكية، وأقطع المسافة من مكان قريب لساحة كهرمانة حتى الزوية مشيا حيث يكون السحر واحداً في لياليها سواء كان في الصيف، أو في الشتاء.
تمضي السنون، وتتدحرج الذكريات على سفح لا يكاد ينتهي تعود بنا الى أيام الكرادة، وتتقاذف تلك الذكريات صورا شتى عن مدينة وشوارع وأزقة، وعن ناس غادروا الحياة، وآخرين كانوا يتحركون نحو المساجد، وأمثالهم يجوبون الشوارع والأسواق، ويتبادلون الأحاديث في المقاهي العتيقة، ولا يدركون كيف يمكن أن يكون شكل المستقبل الذي يسرع الخطى، ولا يبالي بشيء.
الكرادة التي تغيّرت، بل تفجرت ينابيع حزن واجترار لمآس خلناها أبدية، وشاء الله تعالى أن نتجاَوزها برغم محاولات تتوالى لإعادتها وبقوة وجرّها الى وضع بائس لا نعلم مَن المستفيد منه.
تحاول الكرادة أن تستعيد ألقها، وتبتهج مجدداً، وتضع الزينة، وتلبس أجمل الثياب، وتضيء للمقبلين عليها من مناطق بغداد ومحافظات البلاد الأخرى, وتنتشر المحال, والأسواق مزدهرة وعامرة بالبضائع وما يحتاج إليه الناس، وبعد سنين عجاف، ومحاولات خنق لهذه المنطقة النشطة، وتفجيرات لم تستثن سوقاً ولا مسجداً ولا مطعماً ولا متحركاً على الأرض ها هي مرة أخرى تشهد إجراءات أمنية غريبة لا نجد لها مثيلا في مكان آخر جعلت المواطنين الوافدين والسكان والتجار أصحاب المحال يتساءلون عن السبب الغامض الذي لا يعرفه سوى من يقوم بتلك الإجراءات خاصة حين يغلق الطرق، ويمنع الحركة، والوصول الى المولات والمحال التجارية والمطاعم، بينما يضع عجلات عسكرية في الدروب والأزقة، فيسرق وهج الكرادة.
*إعلامي ومحلل سياسي من العراق.