هادي جلو مرعي*
يقابل العراقيون مصائبهم بالنكات والسخرية، وهم يسخرون من الطغاة والحكام المتجبرين، وكل من يتفرّعن عليهم، سواء كان عسكرياً، أو حاكماً، أو شيخ عشيرة، أو رجل دين، أو متنفذاً في مجال ما. وهم فوق ذلك يعانون من آثار الظلم والتجبر، ولكنهم يعيشون حياتهم متماهين مع تلك العذابات آملين في تجاوزها في مرحلة لاحقة قد تأتي، وقد تتأخر، وربما أتت بعد طول انتظار، أو أنها أتت لكنها لا تلبث أن تجرّ خلفها معاناة، أو تترك المجال لمعاناة تحل مكانها.
وهذا هو الحال الذي تعودناه لبلدنا، وعشناه وتعايشنا معه، وصبرنا عليه، واكتوينا بناره، ولطالما حلمنا بالتغيير، وخسرنا الكثير بسبب سوء التدبير، وحرمنا مما نتمناه.
الذين يمدحون العراقيين، ويصفونهم بالشجاعة لأنهم لا يخافون من المرض، ويواجهونه بالسخرية يتناسون أن واحدة من الأسباب الموجبة للسخرية هي اليأس الذي يغلب على النفس البشرية. وحين يجد الإنسان أنه غير قادر على التأثير في مجريات الأمور، وأن عليه أن يستسلم في النهاية لقدره، ويتعايش مع الحوادث بوصفها قدراً لا مناص منه، ولا مهرب.
وفي غالب الأحيان فإن العراقيين لديهم سبب وجيه يردون به على من يعتقد أنهم غير مبالين لشجاعة في المواجهة، هو أنهم كبقية البشر يمكن أن يخافوا، ويهابوا الموت والحساب والأوبئة والأمراض والوباء الذي يضرب مناطق من العالم، والفرق هو أنهم عاشوا لعقود في ظل الدكتاتوريات والحروب والفساد والفقر، وفي ظل من يهملهم، ولا يقيم لهم وزناً من حكامهم وجبابرتهم والمتنفذين في مجتمعهم، فصاروا يغالبون عذاباتهم دون معين، ويشعرون أنهم يواجهون الحياة وعذاباتها، دون أن يكون العالم معهم، وقد يكون متواطئا.
الخوف هو الغالب، ولكن السخرية هي السارية على مواقع التواصل الاجتماعي، فكل إنسان يمكن أن يكون شجاعاً في العلن، ولكنه يخفي حالة الرعب التي تملكه في سره، ويحاول أن يجد علاجاً، أو ملاذا مما يعاني، وإذا كان كورونا قد أصاب المجتمعات البشرية بالهلع فإنه لم يستثن من حربه على البشرية بلدا، أو فردا، والجميع محاط بالخوف، ولذلك صار الناس يلجأون الى الدعاء، والى الدواء، والى التعويذات، وقراءة القرآن، وهناك من يصف أسباب العلاج، ويعدد أصناف الطعام والشراب والنبات، فينصح بشرب القرفة واليانسون والسحلب، وهناك من ينصح بالحرمل بوصفه نباتاً له فوائد لا تحصى، وقد ذكر العلماء من تلك الفوائد ما يمكن ربطه بالحال الراهن. فواحدة من تلك الفوائد التي قد تصنف من محبطات كورونا الذي يصيب الجهاز التنفسي (معالجة مشاكل التنفس، وما يتعلق بها من ألمٍ، والسعال الناتج من وجود تورمٍ حول الرئتين) وهي من علائم المرض المخيف.
*رئيس مرصد الحريات الصحافية العراقي وصحافي ومحلل عراقي.