د.طلال حمود*
اضع بين ايدكم هذا المساء بعض الملاحظات التي كتبها الخبير المالي والضرائبي ورئيس الجمعية اللبنانية لحماية المُكلفين، رئيس لجنة المودعين في نقابة المحامين، المحامي الصديق كريم ضاهر حول مذكرة حكومة الرئيس ميقاتي حول خطة التعافي او السياسات الإقتصادية والمالية للمرحلة المقبلة؟!
واتمنى ان تدققوا جيداً في كل فقرة من هذه المطالعة السريعة في هذه المذكرة- الخطة وسوف تعرفون وللأسف الشديد انه ليس هناك تعافي ولا من يحزنون في الوقت القريب.
يقول المحامي كريم ضاهر:
أولاً: يعترف واضعو هذه المذكرة بفشل ومسؤولية السياسات المالية والاقتصادية والنقدية التي تم انتهاجها خلال العقود الماضية – ومنها ما يدّل على مخالفات فاضحة للقوانين المرعية وربما الاحتيال الموصوف (البند 3 “…. الخسائر الضخمة التي تراكمت على مصرف لبنان نتيجة جذب تدفقات رأس المال بغية المحافظة على ثبات نظام سعر الصرف وتمويل عجز الخزينة…”) – كما وبحكم ما تقدم، بمسؤولية من بدد المال العام هدراً وسرقة وفساداً بتحقق خسارة تم تقديرها بما يزيد عن 72 مليار دولار أميركي لإعادة رسملة القطاع المصرفي واقتراح متلازم بشطب نحو 60 مليار دولار أميركي من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية إزاء البنوك التجارية. أي بمعنى آخر تحميل وزر الخسائر للمودعين الذين لم يتم ضمان إلا ما يعادل مئة ألف دولار أميركي من ودائعهم. إلا أنه ورغم ضخامة وفظاعة ما تقدم، لم يتم بالمقابل اقتراح أية آلية لتحديد المسؤوليات والبدء بمحاسبة المسؤولين عن هذا الإفلاس الوطني الاحتيالي غير المسبوق رغم توفّر القوانين لذلك.
ومن هنا، يقتضي التذكير بمبدأين أساسيين يشكلان قاعدة ومدخلاً لأية خطة وأي قانون يرمي إلى وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية (كابيتال كونترول) وهما: (أ) عدم توصيف الفجوة بخسائر بل بديون مترتبة لأصحابها ويقتضي ضمانها من قبل الدولة بعد التمييز بين ما هو مشروع من ودائع وما هو غير مشروع وذلك، خلافاً لما يتم تسويقه من توصيف وتمييز بين “مودع صغير” و”مودع كبير”؛ (ب) عدم جواز توزيع أية خسائر على الشكل المطروح قبل تحديد المسؤوليات ووضع مسار جدّي للمحاسبة والمباشرة بتنفيذه.
ثانياً: لقد ربطت المذكرة الخطة باستراتيجية وتغييرات تشريعية تمهيدية ضرورية متلازمة ذكرت منها (1) إقرار قانون طارئ لإعادة هيكلة المصارف؛ و(2) موافقة مجلس النواب على مشروع قانون ضوابط رأس المال وحدود السحوبات النقدية (قانون الكابيتال كونترول)؛ و(3) التغييرات التي طاولت قانون سرية المصارف وجعلته يتوافق مع المعايير الدولية. إلا أن الحماس التشريعي في الفترة القصيرة المتبقية من ولاية المجلس يقتصر وينصبّ فقط على قانون الكابيتال كونترول بمعزل عن القانونين الأخرين اللذين لا توليهما السلطة الأهمية القصوى نفسها، مما يثير الشك والريبة ويدفعنا إلى التشديد والتشدد بالمطالبة برزمة القوانين والتدابير الملازمة كشرط معلق لدرس وإقرار مشروع القانون العتيد العالق في اللجان المشتركة. ولعل ما تضمنه البند (15) من المذكرة خير دليل على ما هو يحاك من خطط ونيات واضحة للتخفيف عن المصارف التي تتعرض “لضغوط لا تحتمل” والسماح لها “بالعمل بموجب تدابير مؤقتة لإدارة رأس المال وتطبيق قيود على سحب الودائع” (ربما لأجل غير مسمّى إذا تعذّر في ما بعد إقرار قانون لإعادة هيكلة المصارف). مما يبرئ ذمتها من أية مسؤولية سابقة أو حاضرة أو لاحقة. وهذا مرفوض عاجلاً أو آجلاً.
لأن المحاسبة والمحاكمة وتحديد المسؤوليات هي من أركان وأساسات أية خطة تعافٍ موضوعية وجدية.
ثالثاً: تقترح المذكرة في البندين (4) و(5) شطب جزء كبير من الدين يعادل 60 مليار دولار أميركي عن طريق عدة تدابير منها تجريد المساهمين والدائنين من غير المودعين (أي حاملي الأسهم التفضيلية وسندات المديونيات الثانوية أو المرؤوسة الذين تم إغرائهم وتضليلهم أحياناً من قبل المصارف) من حقوقهم. بيد أنها تقترح، بالنسبة للودائع التي تتخطّى الحد الأدنى المحدد راهناً بمئة ألف دولار أميركي، حذف جزء منها أو تحويلها إلى حصص ملكية (في رأسمال مصارف يصعب إنقاذها وتعويمها) أو تحويل جزء منها
إلى الليرة اللبنانية بأسعار صرف ليست تبعاً لسعر صرف سوق القطع. Recovery Plan- MOU- Preliminary Observations & Comments-KD- April 2022
كل ذلك، دون ضمانة الدولة أو تحملها اي عبء كما هو مبين في إحدى فقرات البند (5) حيث أنه مقترح “الحّد من أي مسار يتسبب في اللجوء إلى الموارد العامة” وإن كان ذلك من خلال استثمار الأصول بصورة فعّالة وضمن معايير حوكمة رشيدة وشفافة ونزيهة، كما يقترح العديد من الخبراء ودون أن يعني ذلك.
التفريط بها أو التخلّي عنها أو رهنها على حساب المواطنين.ً والجدير ذكره هنا والتحذير منه في آن، أن إجراء كهذا (“قصة الشعر”) يُعتبر مخالفة فاضحة لأحكام الفقرة (و) من مقدمة الدستور لجهة كفالة الملكية الخاصة كما والمادة 15 منه التي تنص على أن “الملكية في حمى القانون فلا يجوز أن ينزع عن أحد ملكه إلا لأسباب المنفعة العامة في الأحوال المنصوص عليها في القانون وبعد تعويضه منه تعويضاً عادًلا”؛ مما يستتبع من جهة، إلزامية الحصول على أكثرية تصويت كافية لتعديل الدستور؛ ومن جهة ثانية، يُعرض القانون للإبطال أمام المجلس الدستوري في حال لم يُصَر إلى التعديل العادل المحكى عنه. هذا، ومع العلم بأن عملية “قصة الشعر” ليست جديدة وقد سبق وطالت المودعين قبل وضع المذكرة ولم تزل بأشكال متفرقة، سواًء بصورة مبطنة وضمنية أو علنية، كحالة تجميد الرساميل والودائع استنسابيا منذ 2019/10/17 مع تطبيق عدة أسعار صرف وتخفيض قيمة العملة وزيادة نسبة التضخم وتهاوي القوة الشرائية.
أما بالنسبة لحماية المودع بحدود تصل إلى 100,000 د.أ كما هو محدد في المذكرة، فلم يُصَر إلى إعطاء أية توضيحات أو تطمينات بهذا الخصوص أو تحديد مدة زمنية منطقية لذلك يحفظ القيمة الفعلية وإذا ما كان سوف يراعى معياري الثقة والعدالة كأن يكون مثلاً الاقتطاع و/أو التسديد بنسبة موحدة على كل الشطور أو بنسب تصاعدية وفقاً لحجم الودائع كما ولمعيار ونسبة حجم الأرباح المحققة سابقاً. وأكثر من ذلك، فقد فات الحكومة أنه وبمجرد حصر حماية المودعين، ومنهم ما تصفه “بالصغير”، في حدود تصل إلى مئة ألف دولار، تكون قد شرعت التعرض لحقوقه الأساسية الأخرى المؤتمن عليها من خلال مختلف الصناديق الضامنة، من نقابية واستشفائية وتقاعدية وتعاونية وتعاضدية، المحتجزة أموالها والمطروح شطبها أو تحويلها إلى العدم. وهذا الاستسهال من قبل واضعي المذكرة بشطب الديون والحقوق يستتبع تساؤلات عديدة ومخاوف مشروعة حول الآثار الاجتماعية والاقتصادية المترتبة عن إجراء كهذا ولا سيما في ظل غياب شبه تام لبدائل تمويلية جدية وموثوقة. كما يطرح تساؤلات أيضاً حول انعكاسات هذه العملية على استعادة الثقة بالاقتصاد وبالقطاع المصرفي الذي يشّكل الممر الإلزامي لعمليات الاستيراد والتصدير ناهيك عن التواصل المالي مع العالم.
كما أن لهذه العمليات تأثيرات عديدة على ثقة المستثمرين ولا سيما منهم اللبنانيون المغتربون والأشقاء العرب الذين فقد العديد منهم جنى عمرهم في المستنقع المصرفي اللبناني. وعليه، على ضوء كل ما تقدم من تدابير معروضة واستنتاجات مبينة، أصبح التمني الحكومي بإعادة إطلاق وتعزيز القطاع المصرفي والحركة الاقتصادية يتعارضان مع واقع الحال والتدابير المنوي اتخاذها لكون تلك التدابير المجحفة قد تفاقم من الإحساس بعدم الرضى وعدم الثقة وعدم العدالة وتحول دون أي استثمار مجدٍ وفّعال كما ودون أي ضّخ لرأس مال جديد في البنوك التي سوف يتم اعتبارها (وفق ما هو مذكور في المذكرة) قابلة للاستمرار بناء على التحليل الرقابي بعد الرسملة الداخلية.
رابعاً: لقد تضمن البند (12) من المذكرة في سياق إعادة هيكلة الدين العام، تأكيد الولوج بصورة شبه حصرية إلى تمويل مؤسسي من مصادر دولية رسمية وذلك، “نظراً لعدم قدرة لبنان على الوصول إلى أسواق المال العالمية”؛ مما ينذر بتغيير الواقع السيادي وتضييق الهامش لأي تفاوض مستقبلي في حال التعثر المالي المتجدد وذلك مع اختلاف آليات تفاوض الدولة المدينة مع دائنيها طبقاً لهوية الجهات الدائنة (المُقرضة). فإذا كانت تلك الجهات الدائنة سلطات أو مؤسسات عامة تابعة لدول متعاقدة (دائنة)، يتّم التفاوض الجماعي من خلال نادي باريس (Paris Club) الذي يفرض حكماً وحتماً برنامجاً لصندوق النقد
الدولي كما وقاعدتي الإجماع وقدم المساواة في التعامل (Pari passu). Recovery Plan- MOU- Preliminary Observations & Comments-KD- April 2022
خامساً: لقد تضمنت المذكرة برنامجاً مفصلاً وطموحاً للإصلاح مبنياً على تنقية وتحسين إدارة المالّية العامة وترشيد الإنفاق ومحاربة الفساد والهدر والتهرب والتهريب، كما وتطوير نظام المشتريات العامة نحو مزيد من الشفافية والرقابة والمساءلة ومعالجة علتّي الكلفة والفعالية في الإدارة العامة من خلال عنصري الكفاية والفائض وسواهم من التدابير والمقترحات الطموحة والمرجوة في شتى المجالات والميادين. ناهيك عن سعي لاستدامة الدين العام ولزيادة الواردات بتحسين الجباية وتوسيع قاعدة المكلفين واستعادة الأموال وخلق فرص عمل وجذب الاستثمارات لتفعيل النمو؛ مع حرص معلن على إرساء العدالة وتأمين برامج الحماية الاجتماعية التي تفيد ذوي الدخل المحدود والمتقاعدين وسواهم. ولقد حددت لذلك أهداف والتزامات على المديين المتوسط والبعيد تعهّدت كحكومة بتحقيقها وتنفيذها وهي سوف تطلب من المجلس مواكبتها بالتصويت عليها. ومن البديهي التساؤل هنا عن جدوى التزام كهذا والإصرار على تمرير بعض ما يتضمنه هذا البرنامج من تدابير كالتصويت على قانون الكابيتال كونترول في ظل حكومة ومجلس نيابي منتهية ولايتهما ولا قدرة لهما لا على الالتزام (الحكومة) ولا على الرقابة والمحاسبة (المجلس)… إلا في حال كان واضعو هذه المذكرة متأكدين سلفاً من نتائج الانتخابات النيابية المقبلة ومن إعادة تشكيل الحكومة على النحو والمضمون نفسيهما! ألم يكن بالتالي، على بعد ثلاثة أسابيع من الانتخابات النيابية، من الأجدى ترك المبادرة والقرار لمجلس جديد ذي شرعية مجددة وحكومة منبثقة منه تحوز على ثقته؟ هذا من جهة. ومن جهة ثانية وبما أن معظم الأفكار والطروحات والإصلاحات التي تضمنتها المذكرة سبق وجرى طرحها مراراً من قبل جهات خاصة أو رسمية على حدّ سواء وآخرها خطة تعافي حكومة الرئيس حسان دياب دون أن يتبعها أي ترجمة عملية أو تطبيق جدي، فمن نافل القول إن العبرة تبقى في التنفيذ ووجود القرار السياسي الحاسم والأكيد. وإلا فستبقى هذه الطروحات مجرّد تمنيات يبنى عليها لإعطاء فسحة أمل بمستقبل يضمحل أو يستفاد منها لتمرير أمور أخرى غير محبذة.
سادساً: من المشروع التساؤل عما إذا كان قد جرى الاعتماد بالنسبة للمقترحات والأرقام والأهداف التي تضمنتها المذكرة على درس وتحليل وقع الأثر الاقتصادي )Economic impact assessment) لأي تدبير مقترح بغية تفادي النتائج العكسيّة غير المرجوة التي قد تزيد من تفاقم الأوضاع المتردية أصلاً بدًلا من حلّها؟ كما أن من الجدير ذكره أنه لم يُصَر إلى لحظ أي شيء بالنسبة لخطة نقل وطنية تخفف من الأعباء على المواطنين وتحفز الاقتصاد والبيئة على حدّ سواء كما وأي تدبير لمساعدة من أصبحوا دون مورد عيش عن طريق ضمان بطالة وخطط لإعادة التأهيل وبرامج دراسية وتدريبية خاصة وملائمة.
سابعاً: لقد اقترحت المذكرة في الفقرة (ب) من البند 14 (الحوكمة والشفافية ومكافحة غسل الأموال/تمويل الإرهاب) تعديل القانون رقم 2020/189، المتعلق بالتصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع، “للتأكد من أن الإقرارات تتطلب إدراج معلومات عن جميع الأصول والمصالح المملوكة (وكذا.)”؛ مع العلم بأن القانون المذكور المنتزع من المنظومة بشق النفس وبفضل الضغط الشعبي الذي واكب انتفاضة 17 تشرين يتبع أفضل المعايير الدولية واحدثها سيما بالنسبة لنموذج التصريح عن الذمة المالية والمصالح الذي يفرض على كل موظف عمومي تقديم تصاريح دورية يبّين فيها جميع عناصر الذمة المالية والمصالح العائدة له ولزوجه وأولاده القاصرين، في لبنان والخارج، بالإضافة إلى الكيانات القانونية العادية أو المتسلسلة والمصالح وكيفية اكتسابها (مثلاً: شراء، إرث، وصية، هبة)، والإيرادات الناجمة عنها؛ بما فيها الأموال غير المنقولة الآيلة عبر وكالات غير قابلة للعزل أو العقود الائتمانية أو سواها من الآليات القانونية المشابهة. ويخشى هنا تعديل القانون للتخفيف من فعاليته والتستر على بعض تلك الأموال والمصالح كما جرى العادة لغاية تاريخه على مّد العهود. ولعلّه كان من الأجدى ذكر قرار مجلس الوزراء
السابق رقم 17 تاريخ 2020/5/20، الذي إعتمد آلية واضحة لمكافحة الفساد وإستعادة الأموال، وتنفيذه. Recovery Plan- MOU- Preliminary Observations & Comments-KD- April 2022
*منسق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود.
وجمعية ودائعنا حقّنا