هادي جلو مرعي
أراهن في القضايا محل الخلاف على النوايا، وحين أجد من ذوي القوة والنفوذ والتأثير في الدولة من يهاجم ويتوعّد، ويتحالف معه آخرون في قضية ما يتصاعد الشك لديّ، ويتحول ذلك الشك الى ثورة في نفسي ونفوس من يراقبون مشهد الدولة العراقية وهي تبحث عن خلاص من مجموعات وزعامات حولتها الى ساحة للصراع وتحقيق المكاسب على حساب شعب لا يهتدي الى سبيل بعد أن مورست معه جملة من الإجراءات الظالمة والقاسية. وتكالبت عليه الأمم التي تجد من يروّض الجموع لتلبية مصالحها في الداخل؛ بينما تجد هذا المروّض يلهث سعياً في ميدان المكاسب دون أن يلتفت الى عوام الناس وحاجاتهم وجوعهم وقرفهم من وجوه كالحة لا تنظر في معاناته بعد أن شبعت من الحرام. ولم يعد مهماً عندها لا الحرام، ولا الحلال. وقد تجمع بينهما بلامبالاة. فالحلال عند هؤلاء حرام، والحرام عندهم حلال، طالما أنهم ضمنوا تحقيق أطماعهم وجشعهم وجوعهم، فهم ليسوا بناة دولة، بل بإمكانهم تدمير دول بأكملها دون أن يرفّ لهم جفن.
فشلت الدولة العراقية الناشئة في تحقيق متطلبات الكرامة لشعبها، وانشغلت بدلاً من ذلك في صراع بيني لا نهاية له، ويكاد يتحوّل الى ثقافة سائدة أغرت الطامحين بالمنافع، والذين يعتاشون عليها، وحوّلتهم الى وحوش.
فهم يتباكون على مصالح الشعب العراقي، وهم يكذبون، وتسيل من أعينهم دموع التماسيح. فما يطالبون به للشعب هو لهم في حقيقة الأمر لأن صراعهم شخصي ونفعي بالكامل. ومَن يظهر على الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي متباكياً على الشعب يتبين لاحقاً أنه يتباكى على خسارته، فالذين يحاولون تقويض مشروع السلة الغذائية لم يبذلوا جهداً لتلبية متطلبات الحصة التموينية المتعثرة لأسباب مالية وسياسية.
والسلة الغذائيّة التي تضمن للمواطنين الحد المناسب من السلع الضرورية كالأرز والشاي والزيت والبقوليات والسكر ومعجون الطماطم كانت وما تزال محط اهتمام بعض النفعيين الذين حركوا جيوشهم للحديث عن أوهام تتعلق بها من أجل نقض العقود الخاصة بها التي رست على شركات منافسة تورد المواد التي تتضمنها السلة الغذائية، والتي لقيت الترحاب من وزارة التجارة، وعدّتها منجزاً، لكننا فوجئنا أن تلك الانتقادات والتسقيط المتعمّد تقف خلفه جهات خسرت صفقة السلة الغذائية التي رست على جهات منافسة، وبشكل قانونيّ وطبيعيّ، ولم يفلح هؤلاء في الحصول عليها لأمور تتعلق بشروط التعاقد.
كم كنتُ أتمنى أن ينتقد بعض السياسيين النافذين من أجل المواطنين، وليس لأنهم خسروا صفقة يتباكون عليها، ويحاولون تصوير الأمر على أنه انتفاضة من أجل الشعب.
*صحافي ومحلل عراقي.