أصدَر البنك الدولي تقرير حول الآفاق الإقتصاديّة للبنان – نيسان 2022، والذي توقّع من خلاله أن ينكمش الإقتصاد في لبنان بنسبة 10.5% في العام 2021 بعدما كان قد إنكمش بنسبة 21.4% في العام 2020 نتيجة عدم توصّل أصحاب القرار في لبنان لخطّة لمواجهة الإنهيار الإقتصادي، إضافةً إلى تداعيات غزو روسيّا لأوكرانيا والعقوبات التي فرضت على روسيّا حيث أنّ لبنان يستورد معظم إحتياجاته من القمح من هذين البلدين. وقد أضاف البنك الدولي بأنّ سعر صرف الليرة قد إستمرّ بالتراجع مقابل الدولار الأميركي خلال العام 2021، ما أدّى إلى إرتفاع ملحوظ في مستويات التضخّم وبالتالي إلى إستنزاف إجمالي إحتياطات مصرف لبنان بالعملة الأجنبيّة. وقد أشار البنك الدولي إلى أنّ لبنان يعاني منذ حوالي الثلاثة أعوام من أزمة ماليّة واقتصاديّة تصنّف على الأرجح من ضمن أسوأ 10 أزمات عالميّة وربما من ضمن أسوأ 3 أزمات منذ عام 1857، بحيث إنخفض الناتج المحلّي الإجمالي من 52 مليار دولار في العام 2019 إلى ما يقارب ال22.1 مليار دولار في العام 2021.
وبحسب البنك الدولي، فإنّ حصّة اللبنانيّيين الذين يعيشون تحت خطّ الفقر قد إرتفعت ب9.1 نقاط مئويّة في العام 2021. في هذا السياق، وبحسب إحصاءات أجريت من قبل برنامج الغذاء العالمي (World Food Program) بالتعاون مع البنك الدولي، فقد تبيّن بأنّ حوالي 61% من الأسر التي شاركت في الإحصاء تواجه صعوبات في الإستحصال على المأكولات والإحتياجات الأساسيّة الأخرى (مقارنةً ب41% في العام 2020)، كما وأنّ حوالي 52% من الأسر المعنيّة قد عانت من الحصول على خدمات صحيّة (مقارنةً ب36% في العام 2020). وفي سياقٍ مماثل، فقد عانى لبنان أيضاً من إنهيار الخدمات الأساسيّة بسبب إستنزاف الإحتياطات بالعملة الأجنبيّة. وأضاف البنك الدولي بأنّ النقص في المحروقات قد تسبّب بحالات إنقطاع شبه تامّ للتيّار الكهربائي في كافّة أنحاء البلاد، حيث أنّ التغذية الكهربائيّة من قبل مؤسّسة كهرباء لبنان وصلت الى الساعتين فقط يوميّاً. من منظارٍ آخر، فقد أشار البنك الدولي إلى أنّه بالرغم من الإنكماش الإقتصادي في لبنان خلال العام 2021، فإنّ القطاع السياحي قد شهد نموّاً ملحوظاً بحيث إرتفع عدد السيّاح الوافدين بنسبة 101.2% خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2021. من جهةٍ أخرى، فقد ذكر التقرير بأنّ الإيرادات الحكوميّة قد إنكمشت من نسبة 13.1% من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2020 إلى نسبة 6.3% من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2021 (ثالث أدنى معدّل في العالم بحيث تفوٌق لبنان فقط على الصومال واليمن)، كما وتراجعت النفقات ب9.2 نقطة مئويّة إلى نسبة 7.3% من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2021، ما نتج عنه عجز في الرصيد الأوّلي عند نسبة 1% من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2021، مقارنةً بعجز بلغت نسبته 3.3% من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2020.
وقد أشار التقرير إلى أنّ سعر صرف الليرة مقابل الدولار قد تدهور بشكلٍ ملحوظ خلال النصف الأوّل من العام 2021، حيث إرتفع سعر صرف الدولار من حوالي ال15،000 ل.ل. للدولار الواحد إلى ما فوق ال30،000 ل.ل. في شهر كانون الثاني 2022. وبحسب البنك الدولي، فإنّ التراجع الكبير في سعر صرف الليرة يعود بشكلٍ أساسي إلى الرفع التدريجي للدعم الذي أمّنه مصرف لبنان بالعملة الأجنبيّة لإستيراد الأمور الأساسيّة كالمحروقات، والأدوية، والقمح، وغيرها من الأمور. دائماً في الإطار عينه، فقد كشف التقرير بأنّ متوسّط سعر الصرف التابع للبنك الدولي قد إنخفض بنسبة 211% في العام 2021 مقارنةً بتراجع بلغ 250% في العام 2020. وقد ذكر التقرير أنّ التدخّل الكبير لمصرف لبنان في دعم المواد المستوردة بدءاً من شهر كانون الأوّل 2021 قد تمكّن من لجم تدهور سعر الصرف، حيث إستقرّ هذا الأخير عند حوالي ال20،000 ل.ل. للدولار الواحد. في هذا الإطار، فقد ذكر الينك الدولي بأنّ هذه التدخّلات لن تدوم كثيراً في ظلّ تراجع مستويات الإحتياطات الإجماليّة بالعملة الأجنبيّة لمصرف لبنان والتي بلغت حوالي 17.8 مليار مع نهاية العام 2021. بالإضافة إلى ذلك، وعند حسم محفظة اليوروبوند التي يحملها مصرف لبنان والبالغة 5 مليار د.أ.، فإنّ الإحتياطات المتبقيّة تصبح أدنى من الإحتياطات الإلزاميّة على الودائع بالعملة الأجنبيّة لدى القطاع المصرفي والبالغة قيمتها 14.4 مليار د.أ.، مع العلم أنّ صافي الإحتياطات بالعملة الأجنبيّة لدى مصرف لبنان هي سلبيّة على الأرجح بحسب تقديرات البنك الدولي. أمّا فيما يتعلّق بنسبة التضخّم، فقد بلغ متوسّط تضخّم الأسعار 150% في العام 2021، وهو ثالث أعلى مستوى في العالم بعد فنزويلا والسودان. أمّا على صعيدٍ أكثر إيجابيّة، فقد أشار البنك الدولي أنّ المحادثات بين السلطات اللبنانيّة وصندوق النقد الدولي قد إستأنفت في شهر تشرين الأوّل 2021 بعدما كانت قد إنقطعت على فترة أشهر عديدة.
أخيراً، وعلى صعيد النظرة المستقبليّة، فقد كشف البنك الدولي أنّه في ظلّ المستوى العالي من حالة عدم اليقين، فإنّه من المتوقّع أن ينكمش الناتج المحلّي الإجمالي بنسبة 6.5% في العام 2022 في حال لم تتغيّر سياسات الإستجابة للأزمة وفي حال عدم وجود حد أدنى من الإستقرار السياسي والأمني. وقد عزى التقرير توقّعات العام 2022 إلى مخاطر سلبيّة كإستنزاف الإحتياطات الإجماليّة بالعملة الأجنبيّة، وتجدّد إنتشار وباء الكورونا، وإرتفاع أسعار السلع (وخاصّةً المحروقات) ومخاطر إيجابيّة كموافقة الحكومة على برنامج ماكروإقتصادي شامل وإعتماده. وعند الأخذ بعين الإعتبار حجم وتداعيات الأزمة الماليّة والإقتصاديّة في لبنان، فقد أشار التقرير إلى أنّ التداعيات السلبيّة لغزو روسيّا لأوكرانيا قد تدفع لبنان للبحث سريعاً عن بلدان بديلة لإستيراد القمح كما وأنّ إرتفاع أسعار المحروقات قد يضرّ سعر الصرف الليرة ويزيد من مستويات التضخّم منا ومن الممكن أن يزيد من ساعات التقنين الكهربائي.