محمود موالدي*
ترسم سياسات الدول بحكم المصالح، فتتراوح بين الإشتباك والتشابك، وبين الخصومة والتحالف، لتنهار زعامات وتبنى امبراطوريات، وتتهاوى دول، فتغيب أنظمة وتبقى أنظمة، إنها بعرف السياسة متطلبات المصلحة، فمع بداية أفول شمس القطبية الواحدة من مسقط رأسها بظل الإنقسام المجتمعي الحاصل في بلاد العم ( سام ) تتنامى أقطاب على خلاف المنظومة الأواحدية شكلا ومضمونا وتاريخا وعراقة، لترسم معالم نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب والمحاور، متشابك الأركان بحكم الجغرافيا والمصالح بحسب امتداد الطاقة، فإذا كان هدف الولايات المتحدة الأمريكية في مسارعتها لمحاصرة التعاظم الصيني واحتواء القدرة الروسية ليضمر حضورها على عزل الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتكريس الإشتباك السياسي في محادثات ( فيينا ) مع تعليقها من خلال ما رشح عنها، وتصريحات المسؤولين الأمريكيين، إلا أن الضعف الأمريكي كان حاضرا، وقد تجلى في الأراضي السورية المحتلة التي يسعى المحتل الأمريكي من خلال ادواته الإنفصالية والمشتقات الداعشية لتثبيت وجوده، فيما تلوح بأفاق العراق علامات اختراق سياسي للمنظومة المصنعة أمريكيا، لتبقى تفاصيل الوضع اللبناني ومنعكساته السياسية والمعيشية دليل التباطؤ الأمريكي والخوف الصهيوني.
إن الحرب على اليمن والرد اليمني الطبيعي على العدوان الصهيوعربي يجعل الصورة أكثر وضوحا حول الاخفاقات السياسية الأمريكية وتياراتها.
قد لايختلف أحد في توصيف الأداء الأمريكي في مختلف المواقع السياسية ولا حتى الساحات الميدانية، لكنه بالحقيقة يجعل من أقطاب الشرق الجديد أكثر حضورا، فالناتو على الرغم من انفاقه العسكري الكبير وضخامة امتداده إلا أنه لم يحقق الاستقرار في أوروبا الشرقية، فأبواب قيصر موسكو منذ قرون النهضة وما تلالها من الحرب العالمية الأولى والثانية كانت مشرعة لمختلف التحالفات، لكنها بالمقابل جاهزة لكل التحديات، فالروس اليوم قد تجاوزوا عقدة الأيديولوجيا.
لقد أصبحت السياسات تعتمد المرونة وتحقيق المصلحة وهضم الدول المشاكسة لجعلها دول شريكة في تحقيق تلك المصلحة، يتسارع المشهد السياسي بين الردود والشروط وتغلب لغة الهيمنة والنفوذ على منطق التماهي والركود، لكن الثابت بلا تغيير هو فشل الصناعات السياسية الأمريكية وتنامي النفور العالمي من جراء الهيمنة المشرعة بحكم الغلبة بعد الحرب العالمية الثانية. إن جبهة الشرق الجديد ستغير المنظومة السياسية العالمية لأنها منبع الطاقة من جهة ومهد الممرات الهامة حول العالم من جهة ثانية، فالعالم لن يحكم بالدولار فقط، الذي سيصبح بلا رصيد عسكري نافذ، طبعا عند أصحاب القدرة والقرار.
تعتمد قوى الشرق على التراكم طويل المدى والوفرة في الصناعة والزراعة والابداع في التسويق التنافسي، بينما القطبية منظومة الاقتراض و الافتراض ومنهج الاحتكار…
*ناشط سياسي
موقع حرمون