عندما تتكلم امرأة سورية عن قصتها، تجاربها بحلوها ومرّها، ظروف السفر والهجرة، قلة الخيارات، فقدان الأهل، ضغوط الحياة، تتوقع وجهها متجهماً عبوساً، لكن عندما ترة بسمتها تنبعث من مسامها قبل فمها وعينيها، تعرف أية روح تحمل هذه المرأة الجبارة.
لم تضعف. لم تهرب. لم تتوار من ظروفها. لم تجبن. لم تستسلم. وبعد 11 سنة من الضغط والحصار والدم والتخريب تقول بفخر سورية عشقي الأبدي والسويداء انتمائي.
فتعرف أن شعباً هؤلاء نساؤه، ناهيك عن الرجال، قدره ان يبقى وينتصر على كل شياطين الدنيا وما حولها، وعلى كل أنذال الشعوب والدول..
استضاف موقع حرمون عبر الزميلة هيا غسان الجرماني الطبيبة السورية إيناس ماجد النبواني في حوار شيق عن ظروف المرأة السورية العاملة وتوفيقها بين عملها والأسرة وآلية تحديد التخصص وظروف العمل ومتاعبه الكثيرة.. ننصح بقراءته.
إعداد وتنسيق هيا غسان الجرماني
بماذا نعرّف متابعينا عنك؟
* إيناس ماجد النبواني، طبيبة أسنان. ولدت من أبوين مدرسين؛ أبي هو المربّي المرحوم ماجد النبواني أستاذ لغة عربية ومدير ثانوية الغاريّة وهو تربوي ذو تاريخ عريق أفتخر به. ووالدتي المرحومة المربية صفاء أبو أحمد مدرسة الرياضيات ذات السمعة الطيبة وكانت لهما مسيرة عطاء تربوي معروفة.
وتألفت أسرتي من أخوين وأخت أصغر مني؛ أخواي أكبرهما المهندس أيهم وأصغرهما المهندس غيث، وأختي الصغيرة أنهت الشهادة الثانوية هذا العام بعلامات عالية أهلتها لدخول السنة التحضيريّة.
*وكيف كانت دراستك واخترت تخصصك؟
– سافرت مع أهلي إلى دولة الإمارات العربية، وتلقيت علومي الأولى فيها حتى المرحلة الثانوية التي تابعتها في مدرسة الفتاة في سورية. والحمدلله حصلت على علامات تؤهلني دخول جميع الكليات ما عدا الطبّ البشري.
كانت كلية الصيدلة رغبتي، لكن أمي كانت رغبتها أن أكون طبيبة فدخلت كلية طب الأسنان.
*حدثينا عن بدايات العمل؟
– تخرّجت العام 2011. وبدأت العمل كمتدرّبة في عيادة الدكتور مازن ركاب الذي كان له الفضل الكبير عليّ ومازال. ثم التحقت باختصاصي عام ٢٠١٢ وأنهيت البورد عام ٢٠١٦.
*ماذا عن أبرز محطات حياتك؟
– كانت أبرز محطات حياتي بقسوتها تمثلت بوفاة والدي ووالدتي اللذين توفيا بفارق خمس سنوات بمرض عضال. أما محطاتها بفرحها فكانت شهاداتي وتخرجي وبلوغي في ما أنا عليه في مسيرة حياتي كما ذكرت.
* بين رغبتك ورغبة الأهل انتصرت رغبتهم بالتخصص الطبي، هل أنت نادمة؟ وإذا عاد الزمن إلى الوراء أو توفرت فرصة تخصص آخر تخصص تختارين؟ لماذا؟
– لم أندم والحمدلله بل أعتبر نفسي أني نجحت، خاصة بعد تخصصي، رغم عدم رغبتي به، لكنني لم أفشل بالفرع. وطبيعتي مصممة على كره الفشل.
وإذا عاد بي الزمن أعتقد أدخل كلية الصيدلة مجدداً، كوني أحبّ هذا المجال. لماذا؟ لأني اخترت التخصص الطبي وهو المهنة الأحب إلى قلبي وبرأيي هي الأقرب إلى شخصيتي وتركيبي العاطفي والنفسي.
* ماذا تعني لك السويداء؟ وسورية؟
– سورية هي العشق الأبدي والسويداء محافظتي وانتمائي.
*مهمة طب الأسنان تتطلب وقتاً طويلاً هل قصرت بحق طفليك؟
– في البداية حاولت جاهدة أن لا أقصّر في حق طفليّ. وأنا أم لطفلين. فابني الأكبر فادي وابنتي لانا، لكن العمل يفرض عليّ التزامات عدة. ومهنة طب الأسنان مهنة صعبة وتتطلب التفرّغ التام.
* كيف وفّقت بين واجب الأمومة وواجب العمل؟ وهل تقصّرين في أحدهما على حساب الآخر؟
– بداية كان أغلب وقتي لبيتي وأطفالي، لا سيما ان زوجي مسافر. أما محيطي من أهل زوجي وأخوتي كانوا داعمين لي وفي فترات معينة احتضنوا طفليّ ليسهموا في سد فراغ غيابي عنهما. ومع هذا أرى حالياً أن مهنتي تأخذ من وقتي وأحياناً تبعدني عنهما. وأشعر أحياناً أن العمل يأخذ قسطاً كبيراً من وقتي فيبعدني عنهما.
* وبماذا تنصحين الأمهات العاملات؟
– نصيحتي للأمهات العاملات أن يكون دورهن في المنزل أساسياً وأولويّاً في حياتهن. وفي الوقت نفسه لا بدّ ان تصل المرأة لدرجة تفوّق ونجاح في مهنتها ومجال عملها. وهذا يتطلّب توفير دعم لها وتقاسم المسؤوليّة مع زوجها أو اهلها مثلا فلا تقصّر في أحد الجانبين.
* كانت سورية مشفى العرب وربما أكثر، ولا شك تركت الحرب اوزارها على قطاع الطب، وبخاصة طب الأسنان، ما هي هذه الأوزار؟
– كانت ولا تزال سورية مقصد العرب لتلقي العلاج لسببين:
– الأول مهارة الطبيب السوريّ وعلمه الذي لا يجاريه فيه أحد.
– الثاني زهد الأجر الذي يتقاضاه الطبيب السوريّ إذا قارناه بتكاليف العلاج خارج سورية.
أما الأوزار التي تركتها الحرب على قطاع الصحة فكثير وعديدة على سبيل المثال: كانت المعالجات المقدّمة في قطاعات الدولة العامة تضاهي تلك المقدّمة في القطاعات الخاصة وهي مجانية ومن دون أجر، وكان الطبيب يعطي هذه المعالجات جلّ وقته وجهده، لكن هذا حالياً لم يعد ممكناً.
والأسباب كثيرة: أولاً لأن قطاع الصحة العام لم يعد موفَرة له أبسط الإمكانيّات كحالنا قبل الحرب على سورية.
عدا أن الطبيب صار همه إعطاء جل وقته لعيادته الخاصة وصار همه الربح المادي ليتمكن من توفير كلفة حياته وأسرته مع تزايد الأسعار لمستوى فاحش جداً قياساً بالفترة السابقة. وربما ليزيد مردوده المالي غير آبه بضيق حال المواطن، لا بل أصبح الطبيب بالأخص طبيب الأسنان يطلب أرقاماً خياليّة بحيث أصبحت عيادته مقصداً فقط لأصحاب الأموال.
أما المواطن العادي فلا يدخل عيادة الطبيب إلا في حالات الألم الشديد وغالباً يطلب الإجراء الذي يراه الأرخص على جيبه وأقرب لميزانيته الضئيلة. وأقول آسفة أن هذا الطبيب الماهر تحوّل تاجراً.
* كيف يمكن إنقاذ القطاع من ازمته ودعم المواطن والطبيب السوري؟
– لا أعلم كيف يمكن لقطاع الصحة في هذه الظروف الصعبة أن يتحسّن؛ أما المواطن فأعانه الله نأمل أن نبقى قادرين قدر الإمكان لنداوي وجعه ونقدّم له المعالجات اللازمة.
*أليس تصنيع المواد الأولية للعلاج في سورية يشكل حلاً لأزمة غلاء المستورد منها؟ ام ان مستوى الصناعة الدوائية والعلاجية السورية لم تصل إلى المستوى بعد؟
– صراحة لا أعلم الجواب بدقة، لكن أتوقع أن مستوى الصناعات الدوائيّة جيد.
*كلمة أخيرة لمتابعي موقع حرمون.
أحب أن أشكرك صديقتي الصحافيّة هيا، لأنك اخترتني لهذه المقابلة من بين معارفك الكثر وآمل أن أكون أوضحت كل ما يمكن إيصاله في الرسالة الإعلامية للقاء.. والشكر الجزيل لإدارة موقع حرمون.
#موقع_حرمون، #د.إيناس_ماجد_النبواني، #هيا_غسان_الجرماني، #طب_الأسنان، #دولة_الإمارات_العربية، #سورية، #السويداء.

