خالد الجيوسي:
11.44 ليرة تركيّة مُقابل الدولار حتى الاثنين، و12.49 الثلاثاء، و13 ليرة الثلاثاء، هذه انتكاسة جديدة مُتواصلة تُسجّلها الأخيرة، وهي تخسر الآن ثُلث قيمتها خلال العام الحالي، والتقى الرئيس رجب طيب اردوغان اليوم الثلاثاء مع السيد شهاب كانجي اوغلو محافظ البنك المركزي الذي رفض التدخل لإنقاذ العملة التركية، وبات طرده من منصبه مثل أربعة سبقوه امرا محتملا.
يُدافع الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان “السلطان” الحالم بإعادة أمجاد الدولة العثمانيّة، عن خفض الفائدة، وهو يسعى كما يقول لاستقلال مادي، وتتعرّض بلاده لحرب ماليّة، يُراد لها أن تكون تابعة لسياسات البنك الدولي، والخُضوع للعملات الأجنبيّة.
في المُقابل تصريحات أردوغان هذه اطلقها امس الاثنين، وهو يسعى كما قال للاستقلال الاقتصادي، ساهمت بانخفاض الليرة التركيّة مُجدّدًا أمام الدولار، وهي مُستويات قياسيّة مُنخفضة، تُساهم في تراجع القدرة الشرائيّة للمُواطن التركي، والتضخّم.
ويبدو أن الرئيس أردوغان، لا يزال يتدخّل في عمل البنك المركزي، ومُحافظه، فقد خفّض الأخير سعر الفائدة الخميس 100 نقطة الى 15 بالمئة، واللافت أن هذا يحدث مع وصول معدّل التضخّم 20 بالمئة، حليف أردوغان رئيس الحركة القوميّة دولت بهجيلي، أكّد أن البنك المركزي لا يُمكن أن يكون مُستقلّاً.
قرار أردوغان، بدأ يأخذ منحى “ديني”، فالبعض يقول إن الرئيس التركي يُحارب “الربا” في البنوك، حتى أن مُفتي سلطنة عُمان أحمد بن حمد الخليلي قال عبر حسابه في “تويتر” مادحاً خفض سعر الفائدة: “”إنا لنحيِّي الحكومة التركية المسلمة الشقيقة ممثلة في قيادتها المسددة في توجهها إلى تطهير اقتصادها من رجس الربا، الذي لعن اللّٰه آكله ومؤكله وكاتبه وشاهديه، ونطالب جميع الحكومات الإسلامية أن تتعاون على ذلك، (وتعاونوا على البر والتقوى)”، حسب قوله.
هذه الحسابات الدينيّة، لا تترك أثرها الإيجابي بطبيعة الحال عند خبراء الاقتصاد التركي، فتراجع قيمة الليرة التركيّة، سيرفع أسعار المزيد من المنتجات، والسلع المُختلفة، سواء في القطاع العام، أو الخاص، مع صعود تكلفة الإنتاج، والعجز في المُوازنة.
ثمّة من يُشير إلى تراجع في نسب البطالة، وذهاب الاقتصاد التركي إلى النمو، والمُنافسة مع الدول الكبيرة، حال استمراره عدم ربط قرارته الاقتصاديّة بالدولار، والانصياع لسياسات البنك الدولي، لكن ثمّة عوامل خارجيّة سياسيّة تدفع بالليرة التركيّة إلى الانخفاض، فسياسات أردوغان الخارجيّة، وتدخّلاته في العراق، وسورية وليبيا، وغيرها من دول، تجعله يصطدم مع العُقوبات الأمريكيّة.
المُواطن التركي، لا يعبأ بكُل الأحوال، باقتصاد مُستقل، ولا ربوي، فمع تراجع قيمة عملة بلاده، تتراجع قُدرته الشرائيّة، وسينتظر عودة ارتفاع العملة، حتى يستفيد من قيمة مُدّخراته التي ادّخرها في البنوك، وبالعملة المحليّة، مع تراجع أسعار الفائدة.
الارتفاع في أسعار السلع، والمواد الغذائيّة، وصل حتى الخبز، فقد رفعت بالفعل المخابز التركيّة أسعار الخبز من ليرتين، إلى 3 و 4 ليرات، وذلك ارتفاع طبيعي، بعد ارتفاع أسعار الطحين بنحو 80 بالمئة، هذا سيُساهم بشكلٍ أو بآخر بتراجع أسهم حزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات الرئاسيّة القادمة، ومُرشّحه الرئيس أردوغان، ويطرح تساؤلات إذا كان لا يزال المواطن التركي يرغب في إعادة انتخابه، في ظل هذا التراجع غير المسبوق في أسعار الليرة التركيّة، ودعوات المُعارضة التركيّة الذهاب إلى انتخابات باكرة.
صُحف تركيّة أشارت إلى أن المواطنين الأتراك، توجّهوا لشراء الخبز السوري، وهو الذي يتوفّر بأسعار أرخص، رغم ارتفاع أسعاره، مع انخفاض العملة المحليّة.
يحدث هذا، في توقيتٍ يصل فيه إلى تركيا الاربعاء، ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، الذي يزور أنقرة، بعد ما يقرب من آخر زيارة قبل عشر سنوات، وتأتي الزيارة تلبية لدعوة الرئيس أردوغان، وكانت العلاقات التركيّة- الإماراتيّة ليست على ما يُرام، مع اتهامات أبو ظبي لأنقرة بدعم جماعة الإخوان المُسلمين.
قد يُعوّل أردوغان على هذه الزيارة الإماراتيّة، في تحسين حال بلاده الاقتصادي، وانخفاض سعر الليرة التركيّة، وكالة “بلومبيرغ” رجّحت أن يتصدّر ملف الأعمال والاستثمار جدول أعمال اللقاء، وقالت الوكالة إن تحسّن العلاقات بين البلدين يُمكن أن يكون سببًا لضخ الإمارات مليارات الدولارات في التجارة والاستثمار.
الشيخ طحنون بن زايد مستشار الامن القومي الاماراتي زار انقرة قبل شهر، وهاتف الرئيس اردوغان الشيخ محمد بن زايد الحاكم الفعلي للامارات، وأفادت تسريبات بأن الأخير، أي ولي عهد الامارات يحمل معه وعودا بضخ عشرات المليارات من الدولارات على شكل استثمارات في الاقتصاد التركي.
السؤال المطروح بقوة هذه الأيام هو اين قطر التي استثمرت اكثر من 30 مليار دولار في تركيا اثناء تفاقم ازمة الليرة في عامي 2018 و2019 وتعتبر الحليف الاستراتيجي لتركيا؟
دولة قطر تلتزم الصمت، ولم يصدر أي تعليق منها سواء على انخفاض الليرة او زيارة بن زايد لانقرة.
راي اليوم