د. عصام نعمان*
الحياة صراع في كل المجالات. أكثر الصراعات إحتداماً هذه الايام تلك الناشطة بين دول غرب آسيا او بينها وبين دول كبرى، خصوصاً بين الولايات المتحدة وايران، وبين ايران و”اسرائيل”، وبين دول الخليج وايران.
معظم دول غرب آسيا خائفة من ايران بعدما ترَدَدَ انها أصبحت على حافة إنتاج قنبلة نووية. اكثرها خوفاً “اسرائيل” التي ما إنفكت تحرّض الولايات المتحدة على تسديد ضربة قاصمة لإيران تنهي بها مشروعها النووي. الولايات المتحدة أدركت ان ذلك غير ممكن لأسباب متعددة، لذلك اختارت أثناء ولاية الرئيس السابق باراك اوباما ان تعقد اتفاقاً مع ايران سنة 2015 تضع بموجبه الجمهورية الإسلامية جميع مرافق مشروعها النووي تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة النووية مقابل إلغاء العقوبات الإقتصادية الاميركية المفروضة عليها.
الرئيس الاميركي دونالد ترامب أخرج بلاده، بتأثير من صهره اليهودي الصهيوني جاريد كوشنر، من الإتفاق النووي سنة 2018 وفرض على ايران عقوبات إقتصادية أقسى من سابقتها. غير ان خَلَفه الرئيس جو بايدن ومساعديه لاحظوا ان سياسة العقوبات لم تُفلح في تعطيل مشروع ايران النووي. بالعكس، ضاعفت ايران من جهودها في تخصيب اليورانيوم حتى بلغت نسبة 60 في المئة وربما اكثر. ذلك حمل بايدن على معاودة المفاوضات (غير المباشرة) مع ايران بغية التفاهم على اسس لعودة واشنطن الى الإتفاق النووي.
المفاوضات تعثرت وتوقفت نحو خمسة أشهر الى ان تقرر إستئنافها في 29 تشرين الثاني/نوفمبر في فيينا. ما من أحد يمكنه الجزم بأنها ستنجح بإعادة اميركا الى الإتفاق النووي. السبب ؟ لأن واشنطن تريد من طهران تنازلات ثلاثة : العودة الى الإلتزام بنسب التخصيب المقررة في الإتفاق النووي الأصلي، وتمديد مدة الإتفاق الجديد بضع سنوات زيادةً عمّا نصّ عليه الإتفاق الأصلي، ووضع قيود على صناعة الصواريخ البالستية الإيرانية بعيدة المدى.
ايران ترفض البحث في هذه المطالب الاميركية وتصرّ على عودة واشنطن الى الإتفاق الأصلي دونما شروط، بل هي تشترط إضافة بند الى الإتفاق النووي يقضي بعدم جواز إلغائه حتى لو جرى انتخاب رئيس اميركي جديد يعارض بنوده.
لعل النتيجة الاولى لإخفاق مفاوضات فيينا تصاعد حدّة الحرب الباردة الدائرة حالياً بين الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين من جهة، ومن جهة اخرى مع ايران وحلفائها، إقليمياً وعالمياً.
ثمة خبراء استراتيجيون في اميركا (والكيان الصهيوني) يعتقدون ان ايران اصبحت قوية جداً في حقول متعددة يتعذر معها كسرها حتى لو لم تتمكن من امتلاك قدرة نووية عسكرية، وانه بات من الأجدى التفكير في شلّها قبل ان يصبح ذلك مستحيلاً في المستقبل المنظور.
من الطبيعي ان تدعو “اسرائيل”، لاسيما بعدما أصبحت حكومتها في قبضة احزاب يمينية بالغة التعصب والتطرف، الى توجيه ضربة قاسية لإيران تستهدف منشآتها وقدراتها الإستراتيجية في كل المجالات الحيوية. هذا الخيار لا يحظى، حتى الآن، بموافقة وازنة في اوساط الدولة العميقة، خصوصاً بين الخبراء الإقتصاديين الذين يعتقدون ان الاولوية يجب ان تكون للنهوض الإقتصادي بعد الركود الذي ضرب اقتصاد البلاد واستدعى اخيراً تقديم برامج إنمائية للكونغرس بتكلفة تربو على 3 تريليونات دولار. غير ان هذا الخط السياسي والإنمائي مهدد بالإنتكاس في الإنتخابات النصفية المقرر اجراؤها خريف العام القادم اذا ما تمكّن الحزب الجمهوري من السيطرة على الكونغرس بمجلسي الشيوخ والنواب. بذلك يستطيع صقور الجمهوريين في الكونغرس كما في الدولة العميقة اعتماد سياسة عدوانية ضد ايران.
ماذا لو نحجت مفاوضات فيينا ؟
حتى قبل ان تبدأ هذه المفاوضات باشرت ادارة بايدن في اعتماد استراتيجية جديدة لتموضعها، سياسياً وعسكرياً، في غرب آسيا. أبرز مؤشرات الإسترتيجية الجديدة ومعالمها هي الآتية :
سحب القوات الاميركية تدريجاً من قواعدها في العراق قبل نهاية العام الحالي، ومن سوريا في ضوء ما تنتهي اليه مفاوضات فيينا.
دعم “اسرائيل” عسكرياً بأسلحة وتجهيزات اكثر تطوراً لتصبح وكيلتها الأساسية الأقوى المعتمدة في غرب آسيا كي تنوب عنها في مواجهة القوى الإقليمية التي تهدد المصالح الإستراتيجية لأميركا وحلفائها في الإقليم.
التخلي عن المنظومات الحاكمة الهرمة والمترهلة في دول غرب آسيا وذلك بدعم قوى المعارضة الليبرالية وخصوصاً تنظيمات المجتمع المدني ورفدها إعلامياً ومالياً لتأمين فوزها في الإنتخابات المقررة، ولا سيما في العراق ولبنان وليبيا والسودان وتونس والمغرب.
تنظيم حملات واسعة، سياسية وإعلامية، لتصوير قوى المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا بأنها منظمات إرهابية او خادمة لإيران، والعمل على إبعادها عن المشاركة في الحكم. وعليه، من المستبعد ان تتوصل القوى السياسية المتصارعة في لبنان الى توافق سياسي على الخروج من الأزمة المستعصية قابل للصمود قبل إنتهاء مفاوضات فيينا الى تسوية متوازنة.
دعم الدول العربية التي اعتمدت سياسة التطبيع مع “اسرائيل” وتشجيع غيرها على اعتماد السلوكية نفسها.
هذه مؤشرات عامة لسياسة الولايات المتحدة عشيةَ مفاوضات فيينا، بعضها دخل مرحلة التنفيذ وبعضها الآخر ما زال قيد الإعداد. لكن يبقى سؤال : كيف ستردّ قوى المقاومة على مخططات اميركا وفعالياتها في حال اخفقت مفاوضات فيينا او نجحت ؟
*نائب ووزير لبناني سابق.
#موقع_حرمون، #د.عصام_نعمان، #مفاوضات_فيينا، #صراعات_مرجحة.