فاطمة الموسوي
الانهيار الاقتصادي في لبنان يعيد ترتيب المجال الاجتماعي والطبقيّ للمجتمع اللبناني ويؤسس لمرحلة جديدة من تاريخ الدولة التي سبق لها أن ولدت ولادة قيسرية مريضة منذ تأسيسها. لنرى المجال الاقتصادي والمالي والمعيشي في حالة كارثية لم يشهدها لبنان في تاريخه.. حيث يدور المواطن اللبناني في فلك هذا المجال وكأنه في حلقة مفرغة من الحياة والكرامة الانسانية.. حيث يتخبط وهو في قلب هذه الدائرة المغلقة بالأزمات المتراكمة التي ساهمت وما زالت في توسيع قطر الجهل والفقر والتشرّد والحرب والهجرة والاقتتال الطائفي والقتل من أجل لقمة العيش. فالأوضاع المعيشية في ذروة تدهورها جراء انهيار قيمة العملة الوطنية أمام الدولار الأميركي “الحاكم” وأمام الارتفاع غير المسبوق للمحروقات والمواد الغذائية والأدوية التي أصبحت شبه مفقودة أمام العامة من الناس وتباع في السوق السوداء للقادرين على شرائها.. كل هذا والبلد ما زال يعاني من جائحة كورونا وما رافقها من إغلاقات قسرية، بالاضافة الى كارثة انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب 2020، ومن بعده انفجار التليل عكار وأحداث الطيونة التي عمقت الانقسامات السياسية وعطلت عمل المؤسسات وزادت من حدة الأزمة بكافة مظاهرها.
من هذا المنطلق، نتناول في ورقتنا هذه، الأزمة الاقتصادية اللبنانية وتداعياتها، حيث تكون المقاربة العلمية من العام الى الخاص أي من الانعكاسات التي طالت كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والسياسية.. الى مجال محدد أو قطاع نثبت من خلاله المجال الاقتصادي اللبناني الحالي الذي يتخبط بالازمات الفعلية وانعكاساته..
قبل الدخول الى تفاصيل الواقع اللبناني والمجال الاقتصادي مشكلة البحث، لا بدّ من القراءة المتعمقة في الدراسات السابقة والادبيات التي عالجت الازمات الاقتصادية ونظرياتها،
حيث يمكن اعتبار هذه الدراسات العربية والأجنبية من أهم مصادر المعرفة التي يعتمد عليها الباحث في تحديد العديد من الجزئيات المهمة في بحثه مثل المنهجية العلمية والأدوات المناسبة، وكذلك اكتشاف ما توصلت إليه تلك الدراسات من نتائج قد تفيد في تأصيل بحثه والتأكيد على أهمية موضوعه.
ويستعرض المقال الحالي مجموعة مختارة من عناوين الدراسات العربية والأجنبية المترجمة التي تناولت دراسات أجنبية حديثة حول التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بالازمات الاقتصادية. وأبرزها:
- الاطار الفكري للأزمات الاقتصادية، الازمة الاقتصادية الحالية انموذجا، للدكتور أنور محمود النقيب (شؤون اجتماعية العدد 107، 2010). التي اعتبر فيها أن الازمة هي أحد العناصر الحاكمة للدورة الاقتصادية وهي الأخطر على الاطلاق. كما تناول الكاتب الانواع الثلاث للازمات التي اختصرها ب الازمة الدورية – أزمة فيض الانتاج التي تدعى احيانا الازمة العامة- الازمة الوسيطة التي تمس جوانب ومجالات كثيرة في الاقتصاد الوطني – الازمة الهيكلية التي تشمل مجالات معينة وقطاعات كبيرة من الاقتصاد العالمي، منها على سبيل المثال: “ازمة الطاقة”. كما تناول عددا من النظريات ابرزها: الماركسية- التجديد والابتكار- نظرية التغيرات الهيكلية.
- دراسة لتوفيق كسبار بعنوان: اقتصاد لبنان السياسي 1948 – 2002 في حدود الليبرالية الاقتصادية (دار النهار 2005). حيث تناول السياسات التي تمسك بخناق الاقتصاد اللبناني منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1989 حيث تناول ايضا إرث حكومات رفيق الحريري بين أعوام 1993 و2002، وهنا أبرز ما ذكره:
– “بقي ميزان المدفوعات إيجابيا كل عام من 1951 إلى 1982، ما عدا العجز البسيط خلال عام 1967، وكانت الحكومة بلا دين تقريبا عام 1975 (سنة اشتعال الحرب الأهلية)، ومن ثم بقي دين الحكومة في مستويات معتدلة حتى بداية تسعينيات القرن العشرين”.
– “نشرت تفاصيل خطة إعادة الإعمار التي وضعتها الحكومة (حكومة الحريري الأولى نهاية 1992) في وثيقة رسمية سميت “أفق 2000 لإعادة الإعمار والإنماء”. في الأساس كانت الخطة عبارة عن برنامج إنفاق مبلغ 14.3 مليار دولار على مختلف المناطق والقطاعات، وذلك خلال 10 سنوات (1993-2002)، إلا أنه سرعان ما طويت الخطة بعدما تجاوزتها التطورات الاقتصادية، وأظهرت عدم واقعيتها” (ص: 259).
– “ارتكزت كل الإستراتيجية الاقتصادية للحكومة على تأمين استقرار سعر صرف الليرة وإنفاق طموح. وقد نفذت هاتان السياستان، لكن النتيجة جاءت مغايرة بشكل كبير للتوقعات، إذ اتسمت الفترة منذ عام 1992 بظاهرتين بارزتين: انخفاض معدلات النمو، ارتفاع كبير في الدين العام” (ص: 261).
– “بدءا من عام 1997 أخذ الحديث الذي كان يدور سابقا عن إعادة الإعمار يتجه نحو إبداء القلق حول المستويات المرتفعة للعجز المالي والدين العام. ولم تتحرك السلطات إلا عام 2002 إزاء الخطر الذي كان يمثله الدين العام المتفاقم، والضغوط الكبيرة المصاحبة له على الليرة اللبنانية. فأعلنت عندئذ برنامجا طموحا للإصلاح الاقتصادي يرتكز أساسا على مشاريع لخصخصة بعض المرافق العامة” (ص: 264-265)
– “على افتراض أن كل النفقات الاستثمارية ذهبت إلى إعادة الإعمار، يتبين أن جزءا صغيرا فقط حوالي 14% من إجمالي النفقات تم تخصيصه لعملية إعادة الإعمار. وتماما كما في الماضي وقبل عام 1975، كانت حصة المناطق خارج بيروت ووسط البلاد ضئيلة، في حين أن كلفة الفوائد على الدين العام بلغت 39% من إجمالي النفقات أي ما يعادل 15% من الناتج المحلي. وبشكل عام أنفقت الحكومات المتعاقبة منذ عام 1993 أكثر من ثلثي المبلغ أو ما يعادل 26% من إجمالي الناتج المحلي على فوائد الدين العام، وعلى الرواتب والأجور. وهنا يجوز طرح السؤال الآتي: هل من الممكن تقدير حجم الهدر في هذه النفقات؟” (ص: 266-267).
- كتاب لكمال ديب (رفيق الحريري، امبراطورية انترا وحيتان المال في لبنان 1990 2005 – مكتبة الشرقية 2020) حيث تناول حقبة رفيق الحريري بين أعوام 1992 و2005، وهنا أبرز ما ذكره في كتابه الذي صدر عام 2020 وكان الحلقة الأخيرة من 3 كتب حول اقتصاد لبنان:
– قام “أهل السلطة بتوظيف أتباعهم وأفراد عائلاتهم بالآلاف في مؤسسات الدولة والإدارة العامة” (…)، كما “غزا الفساد الإدارات العامة من أساليب غش وتمرير صفقات وموافقات ضد القانون لتنفيع الحاشيات” (ص: 149-150).
– ارتكزت دعائم الاقتصاد في دولة المحاصصة “على 3 أسس، أولا: الإمساك بالعملة الوطنية عبر ربطها بشكل دائم بالدولار الأميركي، وهو ما تطلب رفع الفوائد وكلفة تمويل الدولة، وثانيا: اقتطاع الوسط التجاري (لبيروت) وجعله حكرا على هؤلاء، وثالثا: تقاسم الوزرات الخدماتية والأجهزة الأمنية والعسكرية” (ص: 165).
– في مايو/أيار 1993 عين رياض سلامة حاكما لمصرف لبنان المركزي باعتباره “الركن الأساسي في تنفيذ سياسة الحريري المالية” (ص: 180)، وتلخصت إدارة الحريري للدين العام بإطلاق يد مصرف لبنان لرفع قيمة الليرة تدريجيا (كانت قد وصلت 3 آلاف ليرة مقابل دولار) وتثبيتها على الدولار الأميركي (1507 ليرات لبنانية)” (ص: 187).
وقد “أدت سياسة تثبيت العملة تجاه الدولار إلى نمو غير عادي في الدين العام، وابتلاع ودائع البنوك المحررة بالليرة” (ص: 188).
- كتاب بعنوان: “الازمات الاقتصادية والمالية والمصرفية رؤى وحلول” للدكتور عبد الحليم عمار غربي” KIE Publications مجلتك الاقتصادية، 2017).
أكد الكاتب أن المشكلة الاقتصادية ترجع الى سببين أساسيين هما:
- إن الحاجات الانسانية متعدّدة ومتجدّدة ومتزايدة.
- ان حجم المتاح من الموارد الاقتصادية يتميز بالمحدودية والندرة والنسبية وكونها ذات استعمالات بديلة. كما أضاف الكاتب أسباب أخرى أهمها:
- القصور في استغلال الموارد الممكنة
- سوء تخصيص واستخدام الموارد الاقتصادية الفعلية
- سوء توزيع الثروات والمداخيل. (ص 19).
- الازمة العالمية : كتاب للدكتور عدنان السيد حسن (رئيس أسبق للجامعة اللبنانية): يهتم “د. عدنان السيد حسين” من خلال هذا الكتاب بدراسة تفاصيل الأزمة العالمية خلال عامى 2008، 2009، ومراقبة ما سبقها من أزمات كانت أقل اتساعاً وتأثيراً، فالأزمة العالمية بمثابة خطر داهم يضغط على الدول والشعوب، وتنطوى على عنصر التهديد كما تنطوى على عنصر المفاجأة، ويمكن الحديث عن عناصر أخرى، كضيق الوقت والغموض…صحيح أن الأزمة بدأت فى الولايات المتحدة الأمريكية، بيد أن أسبابها ليست أمريكية فقط، وكيف إذا كانت تفاعلاتها وامتداداتها ونتائجها وصلت إلى أوروبا، ثم إلى آسيا، فباقى المناطق؟
- عبد الله بن علي العليان – أزمات الامة والتحليل المستورد لمشكلاتها، الشرق 2021. اعتبر في كتابه أن بعض الباحثين شخَّص التراجعات والأزمات السياسية العربية الكبرى في العقود الأخيرة، وحصرها في ظروفها الآنية والجزئية، وتجاهل أخطاء الزعامات والنخب السياسية العربية، التي امتلكت الفعل والقرار واتخاذه، في الوقت الذي تم تغييب الشعوب من المشاركة في هذا القرار السياسي أو ذاك سواء عبر المؤسسات البرلمانية التي همّشت من الفاعلية الديمقراطية، أو غيرها من مؤسسات المجتمع المدني التي كان من الممكن أن تلعب الدور الإيجابي، لو كان لها صوت مسموع، لا مقموع في المجتمع، هذا بافتراض وجود مثل هذه المؤسسات، أما في حالة غيابها، فسيكون تحميل الجذور المجتمعية والخلل السوسيولوجي (القاع)، بالمجتمع العربي خطاً بيناً، يقع فيه الباحث من خلال هذا الاستنتاج، فالقرار السياسي العربي بيد هذه النخبة أو الزعامة، واختيار القرار الصائب أو “الخائب” إرادة وفعل، تستطيع وتملك البدائل للتعامل مع القضايا والإشكالات، ومقومات النهوض، وأسباب الإخفاق، وكوامن الضعف وعوامل تحقيق التقدم والمكاسب الحضارية، ومن غير الممكن أن تختار الزعامة السياسية، الاستبداد، والقهر، والتسلط ثم تفتش عن الأخطاء، من خلال تحميل الجذور التاريخية المترسبة في هذا المجتمع أسباب وإخفاقات هذه الزعامات؟!
- د/ تركي الحمد، كتابه بعنوان (دراسات أيديولوجية في الحالة العربية” حيث يؤكد “إن المشكلة الأساسية التي تواجه الوطن العربي، هي في الفراغ والضياع الأيديولوجي السائد في التاريخ العربي المعاصر ” فإشكالية الأصالة والمعاصرة، والعروبة والإسلام، والتراث والثورة، الاستقلال والتبعية، الدين والدنيا، الدين والدولة إلى غير ذلك من إشكالات، ما هي إلا انعكاس وتجسد للفراغ أو الضياع الأيديولوجي، أو الثقافي الذي نجد أنفسنا فيه كأمة، يفترض فيها وحدة الوعي كتعبير عن وحدتها ذاتها.”. ص 81.
انطلاقا من هذه الدراسات والتي تختصر عشرات الأبحاث والكتب العربية والاجنبية في تحديدها لأسباب المشكلة الاقتصادية وتراكم الازمات وطبيعتها السوسيولوجية او الايديولوجية أو البنيوية، الداخلية أو الخارجية…الخ. بالاضافة الى تناولها المشكلة من الناحية الاقتصادية فقط أو من النواحي الأخرى.. يمكن لهذه المقاربة العلمية أن تدخل الى الأزمة اللبنانية الاقتصادية انطلاقا مما سبق ذكره، ولكنها قد تقدم اضافة علمية جديدة بالدخول الى تفاصيل التركيبة السوسيو سياسية والاقتصادية اللبنانية منذ تأسيس الجمهورية وصولا الى الربط النقدي بتاريخ الازمات وأسبابها.. علنا نصل الى تحليل علمي لأخطر أزمة يمر بها لبنان وشعبه على مر التاريخ.. وبالتالي يمكن الاعتماد على دراسة حالة قطاع من القطاعات الاقتصادية المرتبطة بحياة المواطنين واستمراريتهم لكي يتم وصف وتحليل حجم الأزمة وخطورتها وانعكاساتها الحقيقية.. خاصة أنها تدور حول اشكالية متشعّبة مترابطة لا يمكن فصل مضمونها.. والتي يمكن اختصارها بالازمة الاقتصادية المفروضة على الشعب اللبناني، باهتزازات بنيوية داخلية خطيرة. ومع محيط مشتعل ما بين حروب مدمرة وصراعات عسكرية وعقوبات اقتصادية؛ الا أن هذه الازمة وبناء على ما ورد في الدراسات اللبنانية السابقة ليست وليدة أسباب آنية ومرحلية، فالانكماش الاقتصادي وارتفاع الدَّيْن العام والعجز المالي هو نتاج تراكمات لنظام سياسي طائفي يحمل في طياته بذور التناقضات والصراعات، ولنهج اقتصادي ريعي غير منتج تمتد جذوره منذ نشأة الجمهورية اللبنانية.
يمكن أن يتناول هذا المقال عددا من ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﻤﻔﺴﺮﺓ ﻟﻸﺯﻣﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ: مثلا ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدي(ﻓﺮﻳﺶ Frisch–R) التي ﻣﻴﺰ فيها ﺑﻴﻦ دواﻓﻊ وﺁﻟﻴﺎت اﻧﺘﺸﺎر اﻟﺪورات أو اﻷزﻣﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ، إذ اكـﺪ أن اﻟﺪواﻓﻊ (اﻟﺤﻮاﻓﺰ) ﺗﻌﺪ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻟﻸزﻣﺔ، أﻣﺎ ﺁﻟﻴﺎت اﻧﺘﺸﺎر اﻷزﻣﺎت ﻓﻬﻲ داﺋﻤًﺎ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳﺪ وﺗﺨﻔﺾ ﻣﻦ ﻋﻤﻖ اﻟﺪورة أو اﻷزﻣﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ. (ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻔﻀﻴﻞ، أزﻣﺔ ﺑﻮرﺻﺔ أم أزﻣﺔ ﻧﻈﺎم، ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻤﻨﺎر، ﺑﻴﺮوت، 1988، ص95 ).
الى ﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﺎء ﺑﻬﺎ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻓﺮﻳﺪﻣﺎن Freidman، وهـﻲ أﺧﺮ ﻧﺘﺎج اﻟﻔﻜﺮاﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﻨﻘﺪي اﻟﺬي ﻋﺰى اﻟﺘﻘﻠﺒﺎت ﻓﻲ اﻟﻨﺸﺎط اﻻﻗﺘﺼﺎدي وﻣﻦ ﺛﻢ ﻋﺪم اﻻﺳﺘﻘﺮار واﻷزﻣﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ إﻟﻰ اﻟﺘﻐﻴﺮات ﻓﻲ كـﻤﻴﺎت اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ اﻟﺘﻐﻴﺮات ﻓﻲ إﻧﺘﺎج اﻟﺴﻠﻊ واﻟﺨﺪﻣﺎت. (اﺣﻤﺪ زﻳﻦ اﻟﺪﻳﻦ، ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻷزﻣﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ودواﻓﻌﻬﺎ اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ، دار إﺛﺮاء ﻟﻠﻨﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳﻊ، ﻋﻤﺎن، 2007، ص 42).
ومن ثم يمكن اعتماد نـﻈﺮﻳﺔ المغالاة أو اﻹﻓﺮاط ﻓﻲ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر للاقتصادي اﻟﺴﻮﻳﺪي Castel اﻟﺬي ﻳﺆكـﺪ إن ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻻﻧﺘﻌﺎش وﺑﺪاﻳﺔ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻻﻧﻬﻴﺎر ﺗﻌﻮدان إﻟﻰ اﻟﻤﻐﺎﻻة ﻓﻲ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر. (اﺣﻤﺪ زﻳﻦ اﻟﺪﻳﻦ، ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻻزﻣﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ودواﻓﻌﻬﺎ، ﻣﺼﺪر ﺳﺎﺑﻖ، ص45).
(7) وﻣﻦ ﺛﻢ (ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻷرﺻﺪة اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ (Cash balances theory اﻟﺘﻲ كـﺎﻧﺖ اﻣﺘﺪادً ﻟﻠﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻲ وروادهـﺎ أﻣﺜﺎل ﻣﺎرﺷﺎل إذ أكـﺪت هـﺬﻩ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ إن اﻟﺘﻘﻠﺒﺎت ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﺎم ﻟﻸﺳﻌﺎر ﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﺗﻐﻴﺮ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ( اﻟﻄﻠﺐ وﻋﺮض اﻟﻨﻘﻮد). ( ﻓﺆاد ﻣﺮﺳﻲ، ﻣﺸﻜﻼت اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺪوﻟﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ، ص 120 ـ 125 ).
أما بالنسبة لدراسة الأزمة الاقتصادية اللبنانية موضوع هذه المقاربة العلمية، قد نجد ﻟﻬﺎ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻓﻲ هـﺬﻩ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ أو ﺗﻠﻚ، الا أن لهذه الازمة ﻣﺘﻐﻴﺮاﺗﻬﺎ وﻇﺮوﻓﻬﺎ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﺎن إﺧﻀﺎﻋﻬﺎ ﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﺘﺤﻘﻴﻖ ﻇﺮوف ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ أو ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻊ اﻹﻗﺮار ﺑأن اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﺤﻴﺎة ﻗﺪ ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﺗﺸﺎﺑﻪ اﻟﻈﺮوف ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺳﻬﻠﺔ ﻟﻜﻦ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرب واﻟﺪروس ﻟﻴﺴﺖ ﺻﻌﺒﺔ. وبالتالي لا بدّ من اعتماد نظرية الباحث في مقاربته للواقع اللبناني وأزماته، كما لا بدّ من اعتماد مقاربة ميدانية لدراسة طبيعة الأزمة وكيفية تأثيرها وانعكاساتها..
قد يبدأ الباحث من العام حيث يتناول الأزمات المرتبطة بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للجمهورية اللبنانية وصولا الى كارثة ارتفاع الدين العام والعجز المالي ونسبتهما إلى الناتج المحلي التي تعتبرمن أخطر ما تعانيه المالية العامة في لبنان، وما يستتبعه من تداعيات اجتماعية ومعيشية خطيرة تُرهق المواطن اللبناني بالضرائب والرسوم المرتفعة وسياسة التقشف كما هو مطروح حاليًّا، وهو انعكاس لحالة الفساد المستشرية في الدولة اللبنانية وإداراتها العامة.
وصولا الى المقاربة الخاصة المرتبطة ب القطاع المصرفي برمته، عصب الحياة الاقتصادية في لبنان الذي جعل الازمة تتدحرج نحو الانهيار، ربطا بتخفيض تصنيف لبنان الائتماني. هذا فضلًا عن انخفاض سعر الليرة أمام الدولار في السوق الموازي للمصارف، حيث تخطى الـ20000 ليرة للدولار الواحد بسبب شح الدولارات في القطاع المصرفي (مع أن السعر الرسمي 1507.5)، رغم كل محاولات مصرف لبنان لتجنُّب ذلك.
الا أن كل المحاولات للحؤول دون انهيار البلد باءت بالفشل، حيث وصلنا الى الخطوط الحمراء في توفير المواد الأساسية للمواطنين وأهمها الأدوية والمستلزمات الطبية، والمواد الغذائية والمحروقات..
بناء على كل ما تقدّم، يمكننا أن نختار القطاع الطبي كنموذج بحثي نبيّن من خلاله كيف أثرت الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان على هذا القطاع الذي يرتبط به كل اللبنانيين. ننطلق من اشكالية الرسوم الطبية واسعار الادوية التي أصبحت باهظة التكلفة بالنسبة للفئات الأكثر حاجة في البلاد. ومن المتوقع أن يؤدّي هذا السياق إلى تدهور ظروف السكان الصحية وتراجع قدرتهم على الحصول على الرعاية، بالاضافة الى عدم قدرة البعض على متابعة العلاج الطبي وخاصة الذين يعانون من أمراض مزمنة (الامراض السرطانية). بالاضافة الى الاشكالية التي ترتبط بنظام الرعاية الصحية في لبنان الذي يعتبر شديد الخصخصة وهو يُمثّل في الأساس عائقًا كبيرًا أمام الأشخاص الأكثر حاجة في البلاد.
في خضم الازمة الاقتصادية والمالية اللبنانية ظهرت المشكلة المتعلقة بالقطاع الصحي في لبنان “مع تعاميم المصرف المركزي الذي ألزم المستوردين بتسديد قيمة المواد المدعومة وفق سعر الصرف الرسمي، كأوراق نقدية بغية تأمين العملات الأجنبية اللازمة لعملية الاستيراد. وهذا ما زاد من الأزمة في القطاع الصحي الذي يُعاني أساساً من مشاكل مالية متراكمة على مدى عدة سنوات.. فالمواد المتعلّقة بهذا القطاع من مسلتزمات طبية وأدوية وغيرها تُعتبر ضمن المواد المدعومة من المصرف المركزي والتي تتأثر بشكل مباشر بهذا التعميم، حيث بات متوجباً على مستوردي هذه المواد دفع قيمة المبلغ المدعوم نقداً، وليس عبر حوالات مصرفية كما جرت العادة. ولتوضيح ذلك، يمكن إعطاء المثال التالي: إذا أراد أحد مستوردي الأدوية استيراد مواد بقيمة 100 ألف دولار، يتوجّب عليه تأمين 15 في المائة من قيمة المبلغ بالعملات الصعبة، والمبلغ المتبقي بالليرة اللبنانية «نقداً حصراً»، وفق سعر الصرف الرسمي”. خاض اللبنانينون جراء ذلك تجربة فقدان المستلزمات الطبية وخاصة المستلزمات الطبية الضرورية.
أما المشكلة الابرز التي برزت خلال هذه الازمة الاقتصادية فهي بـ«تضاؤل أعداد الممرضين والممرضات” بسبب إقدامهم على الهجرة، فضلاً عن الهجرة الأخطر للأطباء الجامعيين الذين يُعتبرون الأكثر كفاءة الامر الذي ساهم بتراجع الاداء الصحي في لبنان وتراجع أداء بعض المستشفيات التي تحولت الى مجرد مراكز طبية عادية.
في السياق نفسه، نطرح مشكلة فقدان الدواء من الصيدليات أو احتكاره بشكل غير مسبوق في تاريخ لبنان حيث بات الحصول على بعض انواع الادوية شبه مستحيل بالاضافة الى الوساطة للحصول على علبة حليب للأطفال من هنا وعلبة بانادول من هناك..
في النتيجة، يدفع المواطن اللبناني ثمن وجوده في هذا البلد وهو في يمر في أصعب وأقسى ظروفه المالية والاقتصادية من ناحية، كما ويدفع ثمن القرارات والعلاقات والتبعيات السياسية التي انعكست في معظمها بشكل سلبي على المواطن وكرامته وحقه في الحصول على الحياة الكريمة.
#موقع_حرمون، #فاطمة_الموسوي، #مقاربة_علمية، #أزمة_اقتصادية، #عقوبات، #حصار، #لبنان.