عبد الباري عطوان
الجنرال عبد الفتاح البرهان قاد اليوم الاثنين انقلابه الثاني في السودان، واعتقل رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك وزوجته، وجميع الوزراء وأعضاء مجلس السيادة من المدنيين، واعلن حالة الطوارئ، وأعطى الضوء الأخضر لقواته لإطلاق الرصاص على كل من يتظاهر او يحتج على هذه الخطوة التي ستدخل البلاد حتما في حالة من عدم الاستقرار، وربما حمامات دماء.
هذا الانقلاب جاء متوقعا، لان الثنائي الحاكم في السودان البرهان وحميدتي، لا يريدان تسليم السلطة الى المدنيين تطبيقا لبنود الوثيقة الدستورية، المقرر في شهر تشرين ثاني (نوفمبر) المقبل، واقدم على اعتقال السيد حمدوك رئيس الوزراء وجميع طاقمه، لانهم رفضوا تأييد هذا الانقلاب، والتنازل عن حقهم في تقاسم السلطة وتطبيق الوثيقة المذكورة آنفا.
***
كان لافتا ان هذا الانقلاب يتزامن مع تواجد جيفري فيلتمان المبعوث الأمريكي الى القرن الافريقي، وفيلتمان هذا لمن لا يعرفه، هو اكبر الداعمين لإسرائيل، واحد مهندسي الحرب الدموية في سورية، وصفقة القرن، وزعزعة امن لبنان واستقراره، وقيادة المؤامرة ضد “حزب الله” ومحور المقاومة.
قوى اعلان الحرية والتغيير التي قادت الثورة المدنية السودانية عام 2019 من المفترض ان تستلم السلطة الشهر المقبل، بعد انتهاء فترة قيادة الجنرال البرهان للمجلس السيادي المختلط، ولكن البرهان الذي قاد هذا الانقلاب، بدعم من فيلتمان وإسرائيل نقض العهد، واستولى على السلطة، ونصب نفسه حاكما فعليا للسودان.
من لم يلتزم بالوثيقة الدستورية، ويلتقي بنيامين نتنياهو، ويطبع العلاقات مع النظام الإسرائيلي العنصري في فلسطين المحتلة، ويحول الجيش السوداني الى جيش من المرتزقة بالزج به في حرب اليمن، ويتحمل وحليفه حميدتي مسؤولية المجازر في دارفور، لا يمكن ان يصلح لقيادة السودان، البلد العربي الإسلامي، وشعبه الذي وقف دائما في خندق المقاومة والكرامة.
معظم الأنظمة العربية التي رضخت للإملاءات الامريكية، وسقطت في مصيدة التضليل الإسرائيلية ووعودها الكاذبة بالرخاء والمعونات المالية، وهرولت نحو التطبيع و”سلام ابراهام” المسموم تعاني من الفوضى وعدم الاستقرار، والقلق المتعاظم من مفاجآت المستقبل المرعبة.
لعنة التطبيع ستظل تطارد الجنرال البرهان وزمرته العسكرية، والشعب السوداني الذي انتفض ضد مؤسسة الفساد العسكرية عام 2019، ونزل الى الشوارع لعدة اشهر، ولم يرحل عنها الا بعد الإطاحة بها، هذا الشعب لن يستسلم، ولن يرضخ، ولن ترهبه التهديدات الامريكية بوقف المساعدات المالية، وسيحافظ على ارث بلاده المقاوم، مهما كانت التضحيات.
السودان مقدم على مخاض عسير، ومرحلة غير مسبوقة من الفوضى وعدم الاستقرار، ويواجه شعبه مخطط إسرائيلي امريكي لتفكيك بلاده الى دول عديدة على أسس عرقية، فعدد كبير من محافظاته تشهد حالة من الغليان والغضب، بعد تدهور احوالها المعيشية، في محاولة لتطبيق المؤامرة السورية وقبلها العراقية، في السودان، كخطوة لنقلها الى الجزائر.
لا نستبعد حدوث انقلاب حقيقي على انقلاب البرهان، وربما بقيادة “سوار ذهب” آخر، ينحاز الى الشعب وهويته العربية والإسلامية ويكنس كل هؤلاء المطبعين، وارثهم التطبيعي الخياني، ويعيد للسودان مكانته كدولة وازنة في القارة الافريقية والعالمين العربي والإسلامي.
***
فرحة الإسرائيليين وحلفائهم المطبعين العرب لن تطول، ليس لأنها جاءت في الوقت الخطأ، وفي بداية الصحوة بقيادة محور المقاومة، وانما لأنها تتعارض مع كل القيم الوطنية والعقائدية لشعوب المنطقة، ولم تسر دولة واحدة على هذا الدرب الا ودفعت ثمنا غاليا، وازدادت فقرا وفوضى وازمات، والسودان ليس استثناء.. والأيام بيننا.
راي اليوم