د. محمد بكر*
(خاص حرمون)
تعقيدات المشهد السوري على المستوى السياسي والاقتصادي والميداني يجعل من اللقاء الذي جمع الرئيسين الروسي والسوري، لقاءً يتجاوز في بعده العميق مسألة تعزيز التعاون الثنائي ودور الجيشين في مكافحة الإرهاب، كما قال الأسد وبوتين، ويبحث في التفاصيل غير المعلنة أموراً تشكل في حيثياتها ودلالاتها ملفات عالقة وكبيرة وذات صبغة مركبة متصلة في ما بينها .
في توصيف اللقاء تتمظهر المشكلات التي ما زالت تشكل العائق وربما “القطبة المخفية” في حديث بوتين عن التواجد غير الشرعي للقوات الأجنبية على الأراضي السورية، التي تشكل فيها القوات الأميركية والتركية أمثلة واضحة وصارخة، هنا يمكن الاستقراء والاستشراف عن “دلالات مبطنة”، لحديث بوتين تعكس بصورة غير مباشرة, بأن التمركز الإيراني هو من ضمن ما قصده الرئيس الروسي، وإنْ كان الحضور الإيراني على الأرض السورية هو بطلب رسميّ من الدولة السورية، إذ لم يعد خافياً على أحد وفي كثير من الأمثلة، كيف تضاربت الرؤى الإيرانية والروسية او في الحد الأدنى جرى الحديث عن تضارب المصالح الروسية والإيرانية في الميدان السوري، تطور بعضها لاشتباك مسلح شهدتها بعض الحواجز في مناطق سورية متعددة، حتى أن هناك ولاءات مختلفة إن صح التعبير بين فصائل سورية رديفة وأفراد الجيش السوري، سواء للروسي أو الإيراني، فهل وصلت مدلولات ما قصده بوتين للأسد وهل تشكل هذه الجزئيّة أساساً لكي تفصل اليد الروسية ملامح المرحلة القادمة في سورية؟
جزئيتان مهمتان إنْ لناحية المدلولات السياسية أو لجهة التوقيت، الأولى تتعلق بالوضع الاقتصادي السوري وحديث الأسد عن حصار غير قانوني على سورية، والثانية عودة حديث بوتين عن الخطوات المتخذة في ما يتعلق بالمسار السياسي، الذي يجب أن يصوغه السوريون من دون تدخل خارجي، بالرغم من نجاح الأسد في الانتخابات، وهو ما يبدو دلالة مبطنة أخرى يحضر فيها بقوة القرار الأممي ٢٢٥٤، ولكن من منظور روسي يجد فيه بوتين أن إمكانية صياغة تغيير ما في شكل النظام السياسي في سورية ما زال ممكناً ومطروحاً.
حديث الرئيس الأسد عن العقوبات والحصار أمام بوتين، في مرحلة كارثيّة يمر بها الوضع الاقتصادي السوري ولا سيما أننا نتحدث عن نفاد الخيارات أمام الدولة لتحسين الوضع المعاشي، إذ أعيد تكليف الوجوه ذاتها في الحكومة الجديدة، إضافة لغياب أية مساعدات روسية اقتصادية فاعلة للحليفة دمشق خلال السنوات السورية العجاف، يدلل على الترابط العضوي، بأن أي حراك روسي فاعل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في سورية، سواء اقتصاديا أو سياسياً لجهة حسم الملفات العالقة في الشمال والجنوب السوري هو مقترن بسلوك بعينه يجب أن يلتقطه الأسد أو يبادر لتفعيله “بشجاعة” على طريق المرونة السياسية في ما يتعلق بالتمركز العسكري الإيراني، وتوسيع المسار السياسي، والعلاقة مع إسرائيل وفصائل المقاومة، فهل تكون الموافقة السورية على مد لبنان بالغاز المصري والذي مصدره كيان الاحتلال الإسرائيلي عبر الأراضي السورية أول غيث المرونة؟؟
ما بعد لقاء بوتين بالأسد لن يكون كما قبله، فنحن أمام عناوين كبرى، لجهة براغماتية سورية أكبر، وربما خطوطاً كانت حمراء، ولم تعد اليوم كذلك .
* كاتب وإعلامي فلسطيني.
Dr.mbkr83@gmail.com
#د.محمد_بكر، #الأسد، #بوتين، #قطبة_مخفية، #قوات_غير_شرعية، #سورية، #إسرائيل، #إدلب، #إيران.