خاص حرمون – درعا
عشر سنوات من الدماء والترويع للمدنيين والانفلات الأمني والنفوذ الاستخباري الذي عاث فساداً بدرعا وأهلها الشرفاء ودمّر حياتهم ومدنهم وقراهم، اغتالتها بنادق المتطرفين من فصائل مسلحة تتحكم بها غرف قيادة استخبارية إقليمية ودولية لتصبح درعا حصن سورية وجبهتها الصامدة في وجه أطماع الصهاينة والتي كانت قلعةً عظيمة حصينة تحتضن بين جنباتها كتائب الجيش السوري ونخبة دفاعاته الجوية وراداراته وبطاريات صواريخه التي كانت واضحة للعيان وضح النهار وعيونها ترصد حركات وسكنات مطارات العدو ولم تفكر يوماً أن تتغير وجهتها لتناكف عدواً داخلياً استطاع ركوب موجة مطالب في الإصلاح ومحاربة الفساد.
ودخلت كبريات الماكينات الإعلامية العربية والدولية وأمهر المنابر الصحافية العالمية ساحة الحرب واستطاعت غسيل الأدمغة الشابة وكسب ثقتها لبدء مرحلة تحوير الوقائع وتزويرها في ظل الضعف الإعلامي السوري وعدم الاحترافيّة في نقل الصورة وسياسة الهروب من الواقع والانفصام التي عانتها وسائل الإعلام الرسمية.
*درعا منذ البدايات وحتى اتفاق التسوية عام ٢٠١٨م:
لقد عانى المواطنون السوريون من أهالي درعا شتى أنواع العذابات من الحرب الطاحنة التي دارت رحاها مبكراً في درعا وتحمّل أهلها شرفاء حوران الكثير وهم الذين لا يملكون حولاً ولا قوة، بينما عاثت فصائل المسلّحين فساداً في الجنوب وأصبح قادتها ومشايخها من أثرياء البلد على حساب دماء الشباب وعذابات أهل حوران الأكارم. من جهته عمل الجيش العربي السوري بمبدأ الدفاع ولعلاج الأخطار المحتملة وكانت ضرباته متناوبة مركّزة لشلّ حركة تقدّم الفصائل التي تدار من غرفة الموك بمباركة عربية ورعاية إقليمية ودوليّة. ولا جديد إذا قلنا أن للكيان الصهيوني حضوره في مسرح الوقائع من خلال تواطئه ودعمه اللوجستي والعلاجي لمسلحي الفصائل في الأراضي المحتلة بل كان حضوره مباشراً وليس عبر أدواته فقط.
حاولت الدولة السورية مبكراً من خلال وجهاء العشائر وشيوخها والشخصيات الدينية والوجهاء بدء مرحلة المصالحة الوطنية وأقرت الدولة بوجود الأخطاء في التعامل وسعت جاهدة لفتح صفحة جديدة، لكن حقد قادة المجموعات وغطرستهم وجهلهم المقيت وطمعهم باستمرار الدعم المالي وإطالة مدة الحرب، بل كان اغتيالهم لمئات من رجال المصالحات وتهديد كل من يتواصل مع الدولة السورية بالذبح إذ لا غاية لهم سوى المزيد من المال في ضوء الآمال الواهية والوعود الفارغة التي أعطيت لهم من المجتمع الدولي والأدوات الإقليمية، كل ذلك أفشل جهود الدولة وأطال معاناة سكان درعا، حيث استنزاف الجيش السوري بالكمائن الغادرة والقذائف العشوائية وحاول أعداء سورية الدخول الى باب الفتن المناطقية لتفتيت المجتمع المتنوع في المنطقة كما والخشية من اندلاع مواجهات بين الدروز في جبل العرب والعشائر في سهل حوران، لكن الإرادة الصلبة للحكومة السورية بضرب الإرهاب وبسط السيطرة على كامل الجغرافية السورية، حيث عمدت القيادة العسكرية على إعداد الخطة العسكرية لدخول درعا بعد تحذير السكان وفتح ممرات آمنة ومكاتب تسوية بضمانات روسيّة وفعلاً دخل الجيش السوري وتساقط المسلحون أمام ضربات القوات الحكوميّة. وهذا ما أجبر المسلحين على التوقيع على اتفاق التسوية الذي اتخذ قراره سياسياً بالتنسيق بين الأميركيين والروس وتمّ فرضه بالقوة بعد أن أدرك المسلحون تخلي الجميع عنهم وتركهم لحتفهم.
وأنجزت التسوية وعادت مؤسسات الدولة السورية لقرى درعا وريفها وسط استقبال المواطنين الخائفين من فلول العناصر المسلحة، حيث أكد لنا السكان أنه حتى وبعد المصالحات لا زلنا نخشى في بيوتنا من إظهار محبة الدولة أو إظهار الامتنان لها ونوصي أبناءنا كل يوم أن يتفادوا الحديث عن الدولة السورية بالخير أو المشاركة في أي نشاط أو فعالية حكومية، حيث إن صورة لمواطن من درعا أو أحد أبنائه في اجتماع أو فعالية وطنية يمكن أن تكون سبباً لإنهاء حياته ليلاً حيث تأتي مجموعات مسلحة من داخل المنطقة وتنفذ تفخيخ سيارة الشخص أو تطلبه بالاسم ليتم تفريغ رصاص مسدساتها المجهّزة بكواتم الصوت في رؤوس المؤيدين. وهذا يعرفه الجميع هنا في درعا حيث كانت هناك تعليمات صارمة لحواجز الجيش الوطني بعدم التعرّض لأي أحد حرصاً على استمرار التسوية. وهذا ما جعلنا نلتزم الصمت وكل المواطنين مؤيدين ومعارضين لأن السلطة لا تزال بيد قادة المجموعات المنحلة الذين هم على استعداد لتصفية كل من يتلفظ بكلمة أو يتواصل مع الدولة السورية.
فمن أحد أسباب تعنت قادة المسلحين أنه كيف تصبح درعا على الهامش وهي مهد الحراك ومنطلق العمليات المسلحة في كل سورية، ويكسب مسلحو إدلب وحلب المكاسب العسكرية والسياسية ويذهب كل الدعم الدولي لهم وهم الأكثر حضوراً في كل محافل المعارضة سياسياً وميدانياً بينما أفلس قادة درعا من هذا الدعم؟
لكن الجيش العربي السوري والمواطنين في درعا يتلظون بلظى غدر المسلحين. وهذا يوثق وبتسجيل خروق لدى الضامن الروسي، لكن الموضوع وصل حداً لا يمكن التغاضي عنه إذ بدأت هذه الخروق تصبح أخباراً شبه يومية ولا يكاد ينقضي يوم حتى تسجل حادثتا قتل على الأقل ولم يحرّك الروس ساكناً مما جعل هؤلاء القادة يتمادون ويظنون أن تسليم الدولة للأمر الواقع ناتج عن العجز وقلة الحيلة وأنه لا يمكن للدولة السورية التصرّف بمفردها وإغضاب الحلفاء بتصرفات غير منسّقة، لكن من يعرف الدولة السورية ومفاصل صناعة القرار فيها يعرف جيداً أن سياسة ليّ الذراع لا تفيد معها سواء كانت من روسية أو من إيران والمنطقة التي يُتَخَذ قرار دخولها وتطهيرها من المجموعات المسلحة يتمّ دخولها مهما بلغت التضحيات، وبعد التشاور مع الروس والحلفاء والوصول لطريق مسدود مع مسلحي درعا البلد وفي ظل تأكيدات استخبارية من وجود دعم خارجي ووعود بترويج تجربة الكرد في الجنوب والاتصالات بين مؤسس حزب اللواء السوري مالك أبو الخير المدعوم فرنسياً وقائد قوة مكافحة الإرهاب الجديدة المدعو سامر الحكيم الذي تربطه بقسد علاقات متميّزة واستمالتهم لابن الشيخ وحيد البلعوس الشاب ليث الذي ظهر متوعّداً الدولة السورية ومهدّداً بإخراج الدولة السورية ومؤسساتها من السويداء ورسائله التي وجّهها لدرعا معتبراً أن الجنوب واحد ولن يتخلى الدروز عن أهل حوران في إشارة مبطنة ورسائل لقادة مصالحات درعا البلد والاتصالات السريّة بين شخصيات من السويداء ووجهاء درعا البلد إضافة لحساسيّة موقع الجنوب في مواجهة العدو الصهيونيّ لكونها خاصرة سورية وغرة دمشق وجبهتها في معركة السوريين مع عدوهم الأبديّ الكيان الصهيوني، كل هذه الأسباب مجتمعة جعلت الحكومة تتخذ القرار وتنذر منطقة درعا البلد لتتحرّك قوات برية بأسلحة متوسطة لإعادة الاستقرار للمنطقة لكن المفاجئ هو الغدر الذي حصل من المسلحين وتحت مرأى الضامن الروسيّ.
وهذا ما يؤكده أبناء المنطقة أيضاً مما أدى الى الاستياء من الموقف الروسي واعتبره السوريون أنه غير مفهوم بل استغرب إعطاء الفرص المتكرّرة للإرهابيين مع غياب الدعم لعملية المواجهة كما والتصريحات المريبة للروس التي تسرّبت لوسائل الإعلام عن عدم رضى الروس بهذا التصعيد الحكوميّ.
لكن القرار اتخذ على أعلى المستويات بتأمين درعا وتسليمها لأهلها خالية من السلاح والإرهابيين وتأمينها ومنع ترويع شعبها الذي ينتظر منذ عشر سنوات عودة الأمان والاستقرار وسمعة الدولة السورية وهيبة جيشها على المحكّ، ولهذا إما تحقيق تسوية حقيقية كاملة دون انتقاصٍ من سيادة وهيبة الدولة والاستجابة لبنود التسوية وتسليم المئة إرهابي المطلوبين على لوائح الأمن السوري وإما إتمام الحملة العسكرية ونزع السلاح قسراً واعتقال هذه الشرذمة التي تعبث بدماء بلد بأكمله. فهل من المنطقي أن يتم تدمير بلد كامل ونزوح إحدى عشرة ألف عائلة تزيد بالمجموع عن خمسين ألف مواطن بين ليلة وأخرى من أجل مجموعة من المسلحين؟! لا العقل والمنطق ولا العرف يقبل بهذا ولن ترضى به أي دولة في العالم بمثل هذا الانفلات الأمني وانتشار السلاح على أرضها. ولكن للصبر حدود وستكشف الأيام القليلة ما سيحصل وإن أمن دمشق من أمن درعا فهي صمام أمان الجنوب وإنهاء هذا الملف خطوة لا غنى عنها.
#سورية، #درعا، #العدو_الصهيوني، #الغرف_الاستخبارية، #روسيا، #الموقف_الأميركي، #القرار_السوري، #موقع_حرمون.