سامي سماحة*
أحدثت السفينة الإيرانية المتوجهة الى البحر الأبيض المتوسط ،والمّبحرة على حفاف الخطر، والمتحدية للولايات المتحدة الأميركية وكل أذنابها في العالم العربي وفي الداخل اللبناني ، ضجة أقل من كبيرة بقليل وأكثر من قليلة بكثير ، هي سفينة مازوت لا أكثر ولا أقلّ ،لن تحل الأزمة في لبنان ، ولن تُعيد اللبنانيين الى رغد الحياة ، لكنها قد تكون بداية الخربطة العملية لخريطة العالم العربي وحضور القوى الدولية في المنطقة .وقد تكون فقّاعة صابون ينتهي مفعولها عند انتهاء إ فراغ حمولتها .
لا شك أن حديث سفينة المازوت يختلف عن حديث سفينة الأوراق الخضراء الراسية في عوكر ، وعن حديث بوسطة التهديدات المتنقلة بين العاصمة والشمال والجبل ، فللمازوت فضيلة الدفء والنور والحركة ، ولسفينةا لأوراق الخضراء مآثر اللجام والكمّامة وفقدان البصر والبصيرة ، أما لبوسطة التهديدات مآثر المنشار ، واحتجاز الحريات ، والبلطجة ، وشهية تفوق شهية الذئاب .
بين سفينة نوح وسفينة المازوت حكاية خلاص كبيرة .
والشبه بينهما يجعلنا نعتقد أن سفينة نوح تقمّصت بسفينة المازوت إذا صدق إحساسنا بدورها في تغيير معالم الأماكن وعقول الناس .وإذا لم يصدق نقول كان لنا شرف الأمل ومحاولة القراءة .
سفينة المازوت تتحدى إرادة الشيطان الأكبر
بنت الزنود سفينة المازوت من صمود ودماء الأوفياء الأقوياء من أبناء شعبنا الذين يعتبرون قلّة قليلة في هذا البحر المسمى عالم عربي .
لم يهتم بُناة السفينة لأصوات أبناء جلدتهم الذين وصلتهم رسالة خلاصهم منذ أكثر من سبعين عام لكنهم لم يسمعوها ، ولو سمعوا يومها كانت خريطة العالم تغيرت ، وبالتأكيد لم نكن نحتاج الى سفينة المازوت .
قالت الجماعات كلاما كثيرا ، وأصدرت بيانات كثيرة ، واستطاعت سفينة الأوراق الخضراءؤالتي تدور حول العالم أن تفرض على الضعفاء من أبناء جلدتنا ومن الذين تربطون معهم جبهة تعاون سياساتها التطبيعية ، ولكن كان لسفينة المازوت حديثا آخر .
سياسات التطبيع المُنجزة حتى الآن تشبه ذاك البدوي الذي أراد أن يصطاد سمك البحر السوري بسنّارته وهو يجلس في خيمته وسط الصحراء ، أما التطبيع الحقيقي الذي يريده العام سام هو تطبيع مع لبنان والشام ،واستعمل العم سام كل وسائل الترهيب والترغيب، واليوم يستعمل السياسة التي اعتمدها مع السجناء القاضية بالوصول الى حافة الموت لإنتزاع الاعترافات ، نعم أنهم يضعون دمشق وبيروت على حافة القبر كي ينتزعوا منهم صك التطبيع مع العدو .
فحادثة المرفأ كانت بالون الاختبار وبالون الاختبار تحول الى كمين خطير وقع فيه من نصب الفخ .
ليست الباخرة ردا على تفجير المرفأ ، لكنها تأتي في سياق المعركة ، وهي أخطر من معارك الميدان العسكري لأنها كسر إرادة .
لا تقتصر نتائح وصول السفينة الى مرفأ بيروت أو مرفأ بانياس على تأمين بعض متطلبات الحياة ، إن النتيجة المهمة لوصول السفينة هي إعادة الثقة لشعبنا بحتمية انتصاره على أعدائه ، وأيضا من النتائج المهمة انتقالنا من موقع الدفاع الى موقع الهجوم .
والنتيجة الأخطر هي انتقالنا من مواجهة الحدث الى صّنع الحدث .
فثرثرة سفينة المازوت أصابت مقتلا بالعم سام ،لذلك رأيناه يتخبط بعشوائية ويحاول امتصاص مفاعيل الحدث بمجموعة من التقديمات غير المُقنعة .
حديث سفينة المازوت كصعود سفينة نوح فوق الأرض والشجر لتحفظ حياة رُكابها الذين اليهم سيعود الفضل باستمرارية الحياة .
نتمنى لسفينة المازوت السلامة ، ولشقيقا تها الإنطلاق المُبكر ، على أمل أن نرتقي الى مرحلة النضوج فنستغني عن بواخر المساعدات وبواخر تأمين الحاجات الضرورية للحياة فنطبع مما نزرع ونلبس مما نصنع ، ونصبح أصحاب السيادة على موارد بلادنا الطبيعية .
سفينة المازوت بداية التكويعة ،فهل نستطيع قطع الكوع بأقل الخسائر الممكنة .
نأمل من التكويعة أن تُخرجنا من عنق القنينة الى رحاب الوطن الواحد والأمة الواحدة واستعادة الأجزاء المغتصبة .
نحن أمام صياغة جديدة تشبه الصياغة التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية ، فهل نُعيد الكرة ونقع في فخ الأجنبي أو نصنع قدرنا بقدراتنا .
نأمل أن لا يخيب أملنا ويكون صوت سفينة المازوت كصوت من هندسها ورسم طريقها .
نأمل أن يكون صوت السفينة تفسيرا لكلام قرأناه منذ أكثر من سبعينة عام :
إن لم تكونوا أنتم أحرارا من أمة حرة فحريات الأمم عار عليكم
*كاتب لبناني
في 22/8/2021
موقع حرمون