د. قصي الحسين*
أطل موسم الحرائق هذا العام من حرش المورغان. مّن لا يعرف هذا الحرش. من لا يعرف هذه الغابة العذراء من الأشجار الصنوبرية. من هذه الأشجار الحرجية النادرة والمعمرة، في أجمل بقعة من جبل عكار: آخر السلسلة الغربية في لبنان.
حرج/ حرش المورغان، رأسه في سهلة القموعة، في رأس جبل القموعة. في “قمة عروبة”. وكتفاه: وادي عودين وبيت جعفر وتلال فنيدق وجبال أكروم من الشرق. وتلال القبيات وتلال البيرة والسنديانة وعكار العتيقة، وعندقت وعيدمون والنهرية من الغرب.
حرش المورغان تنبسط تحت أقدامه، تنبسط أمامه، قرى منطقة الدريب كلها: شدرا والعوينات والقبور البيض ورماح ومنجز، ومشتى حسن ومشتى حمود والبقيعة، وخط البترول، حتى مستدير النهر الكبير الجنوبي في العريضة الشرقية، وتلكخ وقلعة الحصن، ووادي النصارى. وخلفه، وادي خالد وحنيدر والكنيس وهيت، وجبال القلمون والقصير، والبحيرة، ونهر العاصي و حمص.
حرج المورغان المؤاخي للأحراج المتاخمة والمجاورة له. أحراج الصنوبر في فنيدق وفي بيت جعفر والهرمل ووادي فيسان، ووادي السباع وعكار العتيقة وفي أكروم.
حرش المورغان العظيم، يمتد بمساحته الجزلى بين الأحراش الشقيقة المنبسطة على كافة هذي الجبال والتلال. تلك التي تحرس وادي عودين المهيب. من قمة عروبة، على ارتفاع 2250 متراً حتى النهر الجنوبي الكبير.
حرش المورغان لمن لا علم له به ولمن لا يعلم سرّه وسر حرائقه الآن، إنما هو ثاني الأحراش اللبنانية، من حيث المساحة والكثافة، بعد “غابات بكاسين” في الشوف الأعلى من جبل لبنان الجنوبي.
موسم الحرائق، هذا العام، اختار حرش المورغان، ليكون وليمته تحت أنظار دولة المئة عام. يريد أن يحوّله أولاً: حطباً لموسم شتاء جبلي بلا “مازوت”.
يريد أن يحوّله ثانياً: أرضاً، مفروزة: عقارات للبيع بين المهاجرين والنازحين والوافدين.
يريد منه ثالثاً: أن يتخذ من موقعه المميّز، أمام السهل والبحر؛ وخلفه حمص والقصير؛ مركزاً استراتيجياً، ومخيماً عسكرياً ومحطة ذات شأن كبير، لشبكة لوجستية، توظف فيما بعد في إعادة رسم الخرائط في المنطقة، بعد إعادة النظر في خريطة سايكس – بيكو، تحت أعين دولة المئة عام، التي فجّرها مرفأ بيروت.
هذا كله حريق حرش مورغان باختصار شديد.
نيران المورغان، لها وظائف عديدة منذ اليوم.
تبدأ بتمهيد الجبال والتلال، لتنزع عنها ثوبها الأخضر. لتنزع عنها ثوبها من الأشجار، تعريها، حتى تصير بلقعاً أفسح. تحضرها، أقله لبناء مشروعات جديدة، تليق بخرائط جديدة للمنطقة. تليق بمعسكر.
هكذا اتخذ القرار، وبدأ كذلك توظيف النار. توظيف الحرائق الموسمية لهذا العام بعد إحراق مرفأ بيروت، في مهمات جديدة:
تحويل أهل لبنان إلى المهجر. وتحويل أرضه إلى معسكر.
ليس جفاف الوقود في أسواق لبنان، ليس جفاف البنزين والغاز والمازوت، على أبواب الشتاء، إلا لحرق الجبال وتحويلها إلى فحم. إلى حطب. إلى عقارات، إلى مناطق صالحة لإعارة السكان.
هذا العام، اختار “المضرمون”، اختار الملتزمون، الذين يضمرون الخير، بل الشر للبنان، غابة المورغان.
تصوّروا معي، جبلا/ أرضاً، بكل هذه المساحة العظيمة. تشرف على دنيا تلك البلاد، التي عبر بها نبوخذ نصر. عبر بها خالد بن الوليد. عبر بها المتنبي. يجمعون في مسيرتهم ثلاث عواصم من الدنيا القديمة. ثلاث عواصم، نعم. هي: طرابلس وحمص وبعلبك.
لماذا لا يكون المورغان، قاعدة عسكرية. لماذا لا يكون محطة للطيران، أو معسكراً، في هذا العصر اللئيم، للشيطان.
لا تزال أقدام العساكر مرسومة على صخور المورغان حتى اليوم. لا تزال أسماء قادة الجحافل الجرارة. قاد الأمبراطوريات القديمة، ترن في الآذان. لا تزال وجوههم منقوشة على الصخر في الوديان. لا تزال معسكراتهم، تطبع الينابيع التي خيموا فيها، لإتمام مسيرة الربط بين دمشق والقدس وسيناء ومصر. يشربون من الينابيع، و”يشربون في قلوبهم العجل”، ويمكرون على لبنان.
حرش المورغان قاعدة عسكرية، حين يتحول حطباً وفحماً. فلتبدأ النيران وظيفتها. تأكل الأخضر واليابس، وتمحو من الأرض خضرتها. تهجر الناس. تغير سكانها. تمحو من الأرض عشبتها.
المورغان إذن، قاعدة عسكرية.
حريق المورغان، يدشن مرحلة جديدة من لبنان. يدشن حرباً جديدة في لبنان.
تبدأ بتجفيف الوقود من الأسواق، وتقديم الغابات العذراء، وليمة للنار.
أرض المورغان محروقة اليوم.
غداً تكون معسكراً. حريق المورغان إذن، بعد عسكرة كل لبنان، مقدمة طبيعية لنشر المواقع العسكرية، لتعميمها، في كل لبنان.
*أستاذ في الجامعة اللبنانيّة.
#د.قصي_الحسين، #حرش_المورغان، #جبال_القموعة، #الجامعة_اللبنانية، #حمص، #بعلبك، #طرابلس، #موقع_حرمون