سامي سماحة
شرط الارتقاء التفاهم وشرط التفاهم تشغيل العقل، أما الخطر فإننا نجده في الإدعاء والطاووسية.
وليس شيء أحبّ الى قلبي من سلوك طريق التفاهم التي يدل تاريخ حزبنا على أنها القاعدة الأساسية التي اتخذتها وسألت رفقائي اتخاذها, (ج 10 ص371).
لو حاولنا تعداد الأسباب التي أدت الى تعثر النهضة نضع في طليعتها “التفاهم”، لأنه لا يمكن حدوث التفاعل إذا فُقد التفاهم، ولا يمكن حصول التفاهم دون حضور الاستعداد لتغيير الرأي.
إنوجدت الأزمات الحزبية لأن القوميين فقدوا قيمة التفاهم وعندما فقدوا قيمة التفاهم مترسوا في متاريس التراشق، وغابت عنهم قيمة التفاعل، لذلك وجدناهم عند كل مفترق خطير ينشقون وينقسمون إلى تنظيمين ومجموعات اعتراضية كبيرة.
يقول سعاده: والتفاهم يقتضي وجود الاستعداد لتغيير الرأي الذي يظهر عدم صوابه أو ضعفه أو عدم ملاءمته للغاية الصريحة والقاعدة المقررة بناء على الارادة العامة ضمن النظام, (ج10 ص372).
انعدام التوافق لم يكن حالة نائمة واستيقظت بعد استشهاد الزعيم، بل واجهها سعاده أكثر من مرة وحاول جاهداً الوصول عبرها الى حلول تحافظ على قوة النهضة وحيثيات الرفقاء، ولكن قابلها بعضهم بالعناد والتعنّت وقابلها بعضهم الآخر بالصمت وراح ينتظر ساعة الصفر لينقضّ على سعاده وعلى الحزب.
التفاهم يتطلب الصبر وطول البال والمسامحة، وحاول سعاده أن يتفاهم معهم، لذلك استعمل كل وسائل الإقناع، وعندما أحرجتهم حجته، تعصّبوا لمواقفهم أو هربوا من الحوار مما اضطره أن يتخذ بهم قرارات الطرد.
طردهم عندما تأكد أنهم غير مستعدين لتغيير مواقفهم، فقد أظهر لهم عدم صوابيّة آرائهم وعدم ملاءمتها لغاية الحزب وأهداف المبادئ.
وإصرارهم على عدم التفاهم أنتج سوء التفاهم بين القيادات الحزبية بعد استشهاد الزعيم حتى اليوم.
فلم يتفاهموا على إنتاج سلطة تقود الحزب بعد الاستشهاد، ولم يتفاهموا على خطط وبرامج الوصول الى الشعب، ولم يتفاهموا على المواقف السياسية والعلاقات مع الدول والمحاور، فاختلفوا على العلاقة مع كميل شمعون، واختلفوا على العلاقة مع حلف بغداد، اتفقوا على الانقلاب وليتهم لم يتفقوا لأن النتيجة كانت كنتيجة عدم تفاهمهم، أظهروا أنهم توافقوا عندما خرجوا من السجن واكتشفنا أنهم خدعوا بعضهم وخدعوا القوميين ولم يحترم نفسه بينهم سوى الأمين محمد البعلبكي.
المؤمنون بأن العقل شرعهم الأعلى، يخالفون العقل في كل مظاهر خلافاتهم ونقاشاتهم وحواراتهم، إنها المعصيّة الكبيرة.
لم يختلفوا على تحقيق مصلحة النهضة، ولم يختلفوا على تحقيق مصلحة الأمة، فانعدام تفاهمهم يؤكد بأن مربطهم كان خارج النهضة وغاياتهم تحقيق المكاسب والمصالح والألقاب الشخصية. لذلك رأينا لكل واحد حيثية معيّنة في ميدان معين، سياسي، مالي، فكري… الخ.
لن أخوض كثيراً في تجارب الماضي فنحن اليوم أمام تجارب انعدام تفاهم قد تكون من أصعب التجارب التي مرّ بها الحزب السوري القومي الإجتماعي.
طبيعة عدم التفاهم تقوم بوضوح تام على عدم الاستعداد عند الأطراف لتغيير الرأي. فالخندقة في خنادق المصالح أقوى من وأعقد من حلول فكرة التفاهم، وحتى الآن ظاهر الخلاف ليس على المشروع السياسيّ ولا على المشروع الفكريّ بل هو على وراثة ما ظنوا أنه عجّز وضعف بعد أن فسح لهم المجال ليلعبوا في مسرحه. على طريقته.
لا يقوم عدم التفاهم بين صقور في الفكر والسياسة بل يقوم بين فحول يمارسون البلطجة والدروشة والتسلل وهم يطمحون الى مراكز ليست لهم.
يقول سعاده: وليس شيء أحب الى قلبي من سلوك طريق التفاهم التي يدل تاريخ حزبنا على أنها القاعدة الأساسية التي اتخذتها وسألت رفقائي اتخاذها (ج 10 ص 371).
يحق لكم أيها السوريون القوميون الإجتماعيون رفع الصوت في وجوههم واتهامهم بالانحراف وعدم الإلتزام بالأمانة التي أودعها سعاده في عقل كل قومي إجتماعي.
أوصاهم سعاده سلوك طريق التفاهم، فأين هم من التفاهم.
وجود الوسيط يّلغي التفاهم ويحدّد اتجاه الخلاف، قبول الوسيط يعني إمكانية التفاهم وإمكانية التفاهم تحدد طبيعة الخلاف، لو كان انعدام التفاهم متعلقاً بمصلحة النهضة كنا أمام نتيجتين لا ثالثة لهما :
أولاد النهضة يتفاهمون على مصلحة النهضة.
افتراق لا يقبل وسيطاً لأنه لا يقبل العودة مهما كانت النتائج.
فشل الوساطة لا يُعطي البراءة لأي طرف، لأنه سبق الفشل الاستعداد للتوافق.
ما يشغل بالي ليس عدم تفاهمهم بل مقدرتهم في سَوق القوميين الاجتماعيين الى حيث يريدون، وهذا ما يضع النهضة أمام إشكالية كبيرة، هي تجذّر الفئوية في صفوف القوميين.
أوصانا سعاده بالتفاهم، فأظهرنا في كل المناسبات التعّصب للرأي والعمل على إزاحة الآخر من الطريق.
أعتبر سعاده التفاهم قاعدة أساسية، وعندما يقول قاعدة أساسية يعني أمراً واحداً، أنه ممنوع على القوميين الخلاف مهما اختلفت الأراء وأن التفاهم ناتج كل حوار ونقاش وخلاف بالرأي مهما كبّر هذا الخلاف، وعندما يختلف القوميون ينحرفون عن قاعدة التفاهم الأساسية.
سعاده لا يفرض على القوميين ويمنع عنه.
فقد قال: إنها القاعدة الأساسية التي اتخذتها وسألت رفقائي اتخاذها.
ومسألة انعدام التفاهم ليست صفة من صفات الانشقاقيين بل إنها أيضاً صفة من صفات المعترضين على الوضع الحزبي الذين يُجاهرون بضرورة التفاهم ويمارسون السلوك الخلافي في أبسط الأمور، وهذا يؤكد أن ناتج الثقافة الحزبية المؤسِسة للخلاف موجودة أيضاً عند المعترضين. لذلك وجب على المعترضين الحقيقيين نشر ثقافة التفاهم كي يصل المعترضون الى الاجتماع على سجّادة واحدة.
من مخاطر انعدام التفاهم:
انطفاء شعلة الإبداع في حركة النهضة وتشتتها على حفاف المنتديات وانكفاء تأثيرها على بعث التهضة في المجتمع.
تغلّب شعور التعصّب على مشاعر العصبية.
التناقض الكبير بين ما يزعم القوميون بأنهم يمتلكونه وبين المستوى الحقيقي لهم. وهذا التناقض خفّض من مستوى الوعي الثقافي وخلق هوة واسعة بين الأجيال التي عبرت والأجيال الصاعدة، فالأجيال الصاعدة عاجزة عن كتابة مقال أو بيان أو بحث، وهذه حال التنظيمات الإنشقاقية ومجموعات المعترضين الذين يحاولون دون جدوى لأنهم لم يصلوا الى ثقافة التفاهم.
انتشار الآراء الخلافية والذهاب بالخلاف الى حالة الافتراق، وهذا لا نراه في القيادات بل نجده أيضاً عند القوميين في الوحدات الحزبيّة في المتحدات.مما سهّل الانشقاق.
يقول سعاده:
وقبل أن نطلب التفاهم مع الذين خارج الحركة، يجب أن نتفاهم وأن يكون تفاهمنا تاماً داخل الحركة, (ج 10 ص 371).
لم نجد التفاهم داخل الحركة، لذلك عجزت الحركة عن صياغة تفاهم مع الآخرين يكون لها فيه بصمات فاعلة وواضحة. فكل التفاهمات التي أقامتها الحركة مع الآخرين خلت من وجهة نظرنا، وخاصة تلك التي لها علاقة في فلسطين والحركة الوطنية اللبنانية والجبهة الوطنية في الشام. هذه الحالة لها تبريراتها المنطقية.
يتطلّب التأثير في التحالف القوة، والقوة تتطلب التفاهم داخل الحركة، ولأننا فقدنا التفاهم داخل الحركة فقدنا التأثير في التحالفات.
السؤال الكبير:
كيف نعيد التفاهم بين القوميين الاجتماعيين؟
إنها مهمة من مهام المتنكبين إعادة البناء واستكمال التأسيس.
في 29/7/2021