د. قصي الحسين*
من علامات الفوضى، من علامات الدخول في المجهول، بل من علامات الاستعداد للحرب، بانتظار، أن ينشل الحكم، مسدسه المثبت على خصره، ويطلق منه، الرصاصة الأولى، هو بروز أزمة محروقات في البلاد. هو شح البنزين في محطات التعبئة، ومحطات التخزين.
تتحرك أفعى الفوضى في البلاد، حين تلطش بذنبها، طوابير الناس في الطرقات. يدرك عندها المرء، أن شيئاً ما استدعي على عجل، لإحداث الشغب في صفوف الأمن والانتظام.
تجربة شح البنزين في الأسواق، نجحت في إخراج عموم الناس، إلى الملاعب، حتى يتمرنوا على الشغب، يوماً بعد يوم. حتى يصير الشغب نوعاً من المران اليومي، قبل إطلاق الرصاصة الأولى للنزول إلى ساحات الحرب.
يؤول شحّ البنزين أيضاً، إلى شح المازوت. يختفي فجأة من الأسواق..
يمهّد شح المازوت، لفوضى عارمة في قرى الجبل. تعوّد الناس قبل قدوم فصل الخريف، أن يملأوا البراميل والخزانات، استعداداً لمواجهة قسوة البرد والصقيع. فيحملون للاعتداء على الطبيعة، بقطع الأشجار الحرجية. وقطع أشجار البساتين، وسرقة أشجار الجيران، ودب الفوضى في صفوف أهل القرية الواحدة.
يمهد شح المازوت، لتعطل الأفران، ومنع وصول الرغيف، للأكف الصغيرة، والأكف المرتجفة للعجائز وللشيوخ. لوصول الرغيف، للعائلات والأسر الكبيرة.
شح المحروقات، يضرب قرى الريف، كما المدن، بعصاه الثخينة. فلا تدور عجلة. ولا تدور آلة، ولا يدور معمل. الكل أصبح في إجازة قسرية. الكل قد تعطل. وعلى الناس جميعاً، العودة إلى العصر الحجري.
شحّ المازوت والبنزين والغاز، باب من أبواب الشح في المعامل وفي المضخّات، وتوقفها عن الإنتاج.
يشحّ الماء في القرى وفي المدن على السواء. لم تعُد هناك طاقة للتوليد، والسحب والدفع، باتجاه المنازل. نام الجميع على عطش. ثم أفاقوا على جوع. شحّت عليهم أسباب الحياة، لشح البنزين والماء والكهرباء والغاز والمازوت.
أية حرب قذرة مثل هذه الحرب، التي تشنّ في البلاد.
لم يعد لدى أهل القرى، أن يخزنوا إنتاجهم. لا تصريف للمواسم في الصيف، ولا تخزين لفصل الشتاء.
لم يعُد أهل المدن، باستطاعتهم، إدارة التخزين في المستودعات. صارت بضائعهم كلها تالفة. صارت مواردهم كلها هالكة، بسبب ضعف المولدات، بسبب ضعف التبريد، بسبب، شح البنزين والغاز والمازوت، وانقطاع الكهرباء.
شح الوقود، يفتح أبواب الفوضى في البلاد. يفتح أبواب المنازعات والصفقات. وأبواب التهريب، وأبواب الاعتداءات المولجة إلى الحرب.
نحن غداً في لبنان، على أبواب حرب، في المدارس والجامعات، أشد وأدهى، من دخول حرب الدشم، وحرب المتاريس والقنص، وحرب الفرز المناطقي وحرب الفرز الطائفي، والولوج إلى النار.
غداً، مع شروع التلاميذ والطلاب، بالعودة إلى المقاعد، وطلب الدرس تحت سقوف المدارس والجامعات، سوف تدخل البلاد أقسى أنواع المواجهات.
التلاميذ في الشوارع، لا يستطيعون الوصول إلى مدارسهم. الأساتذة في الشوارع لا يستطيعون الوصول إلى جامعاتهم. الموظفون والكتاب والإداريون، كلهم خارج الخدمة، لشح الوقود.
شح البنزين، قضية في لبنان اليوم، تفتح على كل أسباب الحروب. لا شيء بمنأى عنها، حتى رياض الأطفال، وأبواب الصيدليات، وأبواب المستشفيات، وأبواب السجون.
شح البنزين، يدير حرباً، بدون الذهاب إلى الحرب. يديرون حرباً وهم قاعدون. لا حاجة للذهاب إلى الحرب. الحرب هي التي تأتي إلينا. تبحث عنا. تسحبنا، كما تسحب الأفعى الطيور من الجحور، وتبلعها.
شحّ البنزين، هي حرب، تأتينا بألف لبوس ولبوس. حرب تشغلنا على مدار الساعة. نسقط خلف متاريسنا، مثل قطعان من التيوس.
أزمة شح البنزين في لبنان، هي إعلان انفراط عقد التحالفات بين القبائل. هي إعلان انفراط عقد الطوائف. هي إعلان انفراط عقد المجالس، عقد الرئاسات. هي إعلان إنفراط كذبة الانتخابات وتصعيد السلطات.
أزمة شح البنزين، دفتر تحضير لعقد طويل من العنف بلا عنف. دفتر تحضير لحرب بلا حرب. أزمة شح البنزين، دفتر تحضير لدخول لبنان، هونا هونا، عصر التحول والانفراط والنكبات.
*أستاذ في الجامعة اللبنانية.
د.قصي الحسين، شح البنزينن شح المازوت، حرمون، موقع حرمون، وكالة حرمون، هاني سليمان الحلبي
#حرمون، #موقع_حرمون، #وكالة_حرمون، #هاني_سليمان_الحلبي