د.محمد بكر*
كما فترة الانتخابات الرئاسية في سورية، وفوز الرئيس الأسد بولاية رئاسية جديدة، كانت الملامح وما بين السطور في خطاب القسم تشي عن مرحلة تُطلق فيها التوصيفات التي تُشخّص الحالة السورية ومشكلاتها وتعقيداتها، فيما يغيب التطبيق على الأرض والأهم غياب الإرادة التي تجمع الأفرقاء نحو بناء مشترك لسورية الجديدة.
المعضلة أن الأفرقاء السياسيين في سورية، لا يغادرون إطار إطلاق التوصيفات ذاتها تجاه بعضهم البعض، الأمر الذي تتسع معه الفجوة، ولا توجد مؤشرات لسد ولو جزء يسير منها، فكلا الطرفين يُحمّلان مسؤولية نسف الوفاق للآخر، ويُعول في تقييماته السياسية على اختراق سياسي وميداني بعينه ترسمه الإرادة الدولية ذات اليد الطولى في هندسة المشهد السوري.
أمران طارئان على المشهد لا بد من الوقوف عندهما وتحليل الأبعاد المتقدمة لهما:
الأول الموافقة الروسية حول إدخال المساعدات الإنسانية للأراضي السورية عبر معبر باب الهوى، وهو ما وجد فيه البعض، ثمرة من ثمرات لقاء بوتين ببايدن وإمكانية تحقيق انفراجات سياسية تؤسس لتوافق روسي أميركي في منطقة الشمال، ما زالت فيها اليد الأميركية حاضرة بأوراقها وضغطها مقابل هدوء روسي منذ فترة طويلة لجهة التعامل مع القوى المؤثرة هناك، على قاعدة فرملة أية اندفاعة ميدانية لدمشق، وتعامل مرن مع التركي والأميركي لا يؤسس لتوترات عميقة من الممكن أن ينسف أي حصاد روسي يريده بوتين مطبوخاً على نار هادئة.
الأمر الثاني هو زيارة وزير الخارجية الصينيّ لدمشق وتقديمه مقترحاً سياسياً لحل شامل للحرب السورية من أربع نقاط لم تشكل في مضمونها رؤية جديدة، بقدر أبعاد ودلالات توقيتها، فالحديث الصيني عن السيادة السورية ووحدة الأراضي، وإعادة الإعمار، ومكافحة الإرهاب، والدفع نحو عملية سياسية يقودها السوريون أنفسهم، هو الكلام ذاته سمعناه مراراً وتكراراً منذ سنوات، ولا يحكمه سوى المراوحة في المكان وغياب الإرادة، هنا يبدو توقيت الحراك الصيني تثقيلاً وتكاملاً مع دور موسكو لتوجيه رسائل سياسية لواشنطن، وحرفٍ أولوياتها نحو حلحلة الأزمة السورية على أساس توافقي لا تصادمي، تبدو معه الإرادة الأميركية أيضاً غائبة ويعجبها كثيراً الشكل الحالي للمشهد في الشمال، لجهة دعم قسد في السيطرة على موارد النفط، واستمرار الضغط على دمشق، الذي يُواجه بصمت روسي مع الحلفاء يَسُّر العين الأميركية.
الشعار الذي طرحه الرئيس السوري “الأمل بالعمل” ستكون طريقه صعبة وغير سالكة على الإطلاق بدليل ما اعتبره الأسد تحدياً عسيراً لجهة الأموال السورية في البنوك اللبنانيّة، وربطه أي تغير في هذا الأمر بتغير الظروف في لبنان، وهو ما يبدو مستحيلاً في ظل تدهور الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان وتالياً استمرارٌ بل وتدهورٌ أكبر للوضع الاقتصادي في سورية، إضافة إلى أن مفهوم العمل في فكر الأسد على مدى سنوات لم يثمر على الإطلاق لجهة تغيير السياسات الاقتصادية للحكومة، وتطاول العقلية ذاتها في الاعتماد على الوجوه ذاتها، ومن المتوقع أن تشهد الحكومة السورية الجديدة تدويراً للوجوه ذاتها وجلب أسماء تعمل بالعقلية الإدارية ذاتها، وتالياً الحكم على المفهوم المُنتج للعمل بالإعدام.
الرئيس الأسد الذي يعتبر الذين قاموا بالثورة وارتهانهم للخارج هم ثيران، وأن الذين صوّتوا في الاستحقاق الرئاسي هم الثوار الحقيقيون، لم يسلط الضوء مطلقاً على ثيران وحيتان الداخل وشكل التعامل معهم، الذين أفسدوا البلاد وأفقروا العباد، ومن هنا يبدو قلب الطاولة كلياً في الداخل السوري هو الحل والبوصلة والمسار الذي تتحدد بموجبه كل المسارات والطروحات الخارجية، وهو أي “قلب الطاولة” ما زال الغائب الأبرز بل والموغل في الغياب.
* كاتب صحافي وإعلامي فلسطيني.
روستوك / ألمانيا
#بشار_الأسد، #الانتخابات_الرئاسية، #بوتين، #بايدن، #سورية، #د.محمد_بكر، #الثورة، #حرمون، #موقع_حرمون، #وكالة_حرمون، #هاني_سليمان_الحلبي