رياض الزواحي*
يبقى السلام هو الغاية والهدف الأسمى الذي يسعى إليه الإنسان السويّ في كل بقاع الأرض باعتباره قيمة إنسانية سامية تحقق الأمن للبشر بمختلف أعراقهم واتجاهاتهم الفكرية لأنها المساحة الآمنة التي تمكن الناس من العيش الكريم ومن بناء التطور والنمو والابتكار العلمي في مختلف ميادين الحياة وتسخيرها لخدمة البشرية دون استثناء.
لهذا كانت الدول والمؤسسات والمنظمات الدولية والمدنية حريصة على وضع أسس واضحة تحمي السلام من الانتهاك على يد بعض تجار الحروب غير الأسوياء في كثير من بقاع العالم لمنع اختراق الأسوار العالية للسلام التي تحمي حقوق الإنسان وإنسانيته بقدر المستطاع.
ومع أن بعض قارات العالم شهدت حروباً ضارية نتج عنها دمار كبير وضحايا بالملايين خلال العقود الماضية وتعرضت لأبشع الانتهاكات والقتل والتشريد ومآسٍ كثيرة يصعب حصرها إلا أن الكثير من هذه الشعوب استفادت بشكل عام من أخطاء الماضي وتجاوزت الماضي من أجل المستقبل ومن أجل حياة كريمة للإنسان، كما هو الحال مثلاً في أوروبا والتي تعيش اليوم في سلام مكنها من تحقيق الازدهار الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي وتصدير مختلف نتاجاتها الى العالم، بالرغم من اختلاف أعراق شعوبها وتنوّع أنظمتها السياسيّة ليس لأنهم أكثر ذكاء من العالم، بل لأنها تعلمت من دروس وأخطاء الماضي وتجاوزت الماضي بكل إصرار لصناعة مستقبل شعوبها. وهذا مثال فقط فما زالت نماذج كثيرة في القائمة كاليابان والصين ودول جنوب شرق آسيا باستثناء دول الشرق الأوسط وللأسف الدول العربية تحديداً والتي مازالت تدفع ثمن الأمية والصراعات بدورية منتظمة منذ عقود طويلة.
والغريب أن مجتمعاتنا العربية وأنظمتها السياسية الفاسدة تصر على تدمير الحاضر وحتى المستقبل ولم تتعلم من دروس الماضي والمآسي التي تجرعتها ولم تتعلم حتى من تجارب دول العالم المتحضر ولا يمكن إغفال مسألة التآمر على العالم العربي وتغذية الصراعات السياسية فيه من قبل الدول الغنية إلا أن الفارق في اعتقادي والغريب مسألة الاستيعاب لتجاوز هذه التحديات التي تواجه العالم العربي الذي ما زال يعيش عصر الأمية بأقسى تجلياتها بالرغم من الكم الهائل من الثروات الطبيعية التي يمتلكها العرب والتي لم تنجح في تحقيق الحياة الكريمة للإنسان العربي ولا إيلاء العالم العربي مكانة مهمة في معادلة المصالح الدولية وأيضاً لم ينجحوا في صناعة السلام الذي يمكنهم من صناعة المستقبل بأسس قوية وتجاوز التحديات التي تواجه حاضرهم ومستقبلهم.
وهذه هي المعادلة الغريبة التي مازالت تبحث عن إجابات منطقية حتى اليوم ومهما كانت أخطاء الماضي إلا أن كثيراً من دول العالم تجاوزت ماضيها واستطاعت أن تؤسس لمستقبل أجيالها بشكل قوي وثابت وتجاوزت تحدياتها من خلال أول وأهم لبنة في صناعة المستقبل وهو السلام للجميع.
ومع أن لمفهوم وجوهر السلام مكانة أساسيّة في ديننا ومعتقدنا الديني الإسلامي الذي يربط كل شعوب العالم العربي والذي شدّد على أن السلام هو الغاية والهدف الأسمى الذي يسعى الإنسان لتحقيقه بل جعله منهج حياة يومية للإنسان المسلم الذي يبدأ يومه بالسلام على محيطة الأسري والمجتمعي.
وهذا هو الغريب الذي يرسم علامات استفهام كثيرة عن واقع العالم العربي اليوم.
وما هي الأسباب المنطقية التي جعلته يتجاوز أسوار السلام والحرية الى بؤر الصراعات التي تلوك وتدمر حاضره المحزن وتحرم شعوبه واجياله من الولوج إلى المستقبل؟
ما زال هذا هو السؤال المحير لي وللكثيرين من أبناء العالم العربي.
ونتمنى أن نجد الإجابة ونشخص الداء حتى ننجح سوياً في صناعة السلام كخطوة أولى وضرورية لتجاوز وتحصين واقعنا وتحقيق مستقبل أفضل للإنسان في عالمنا العربي الكبير.
*صحافي وكاتب يمني.
#رياض_الزواحي، #العالم_العربي، #صناعة_السلام، #المستقبل، #الأمم_المتحدة، #حرمون، #موقع_حرمون، #وكالة_حرمون، #هاني_سليمان_الحلبي