هاني سليمان الحلبي**
للنخيل مزيّات لا تُحصى، بيئية وحيوية وغذائية وجمالية..
شموخ في القامة، ثبات في الجذور، طيب في الثمر، عتوّ في البقاء، حلاوة وألياف ومناعة في الغذاء..
والنخلة العتية هي تلك التي تكون بقيمة غابة في صحراء، تفيء إليها القوافل تبترد، تستعيد القوى، تستردّ الطرق، وتصحّح الاتجاهات. إليها تؤوب الدروب والمسالك، وإذا يتساقط ثمرها ندياً علماً وعصارة عمر وبحث، تقدّمه بطيب خاطر بذاراً في القلوب والعقول ليغلّ أفواجاً من النخل الأصيل.
وكما تعصف فيها الأعاصير فإنها تهزأ من غضب الرياح، بعشق التراب، يتماهيان كأنهما واحد. فالتراب هويّة. والنخل حضورها فيه.
واليوم، السبت 10 تموز، يوقع المناضل الكبير الدكتور جورج حجار جديده “ثقافة التحرير في مواجهة ثقافة النفط والتطبيع”، في ذكرى النخلة الباسقة الحضور العالمة الآثارية الدكتورة منى نخلة حجار، في منتداه التاريخي، منتدى العروبة للدراسات الاشتراكية بمنزله في بلدة القرعون.
وأن يحيي الدكتور جورج ذكرى الباسقة منى، تكريسُ قيمة الثنائيّ الذي ملأ الدنيا وشغل الناس طيلة أربعة عقود ونيّف، بحثاً وعملاً فكرياً وميدانياً واجتماعياً عبر تدريس أفواج لا تُحصى من الطلبة الجامعيين، وعبر إقامة الندوات والورشات والمحاضرات والمؤتمرات في منتدى العروبة سابقاً، وحالياً منتدى العروبة للدراسات الاشتراكية.
ولم يقتصر جهد الباحثة البهيّة منى نخلة على الميدان الأكاديمي، بل تعداه إلى الميدان العملي والطبيعي بجولات ميدانيّة على مواقع الآثار في المنطقة – البقاع الغربي وراشيا، ومحاولة إجراء معاينة مسحية لواقعها الآثاريّ.
وإذا كانت لم تستطع صروف الزمان ولا أعاصير المكان أن تحقق أمانيها من منى، فإذا النظام التعليمي التقليدي ببلادته ومقاييسه المسقطة من دون تدبّر ولا تحديث يراعي قوى المرء وملكات الأستاذ، وقدراته الفكرية والذهنية، بل يكتفي بقاعدة تحاكي قالب الحذاء الصيني الذي يشكل قالباً نهائياً للقدم، بلا تكييف ومرونة مع المواصفات الذاتية.
كل ابن انثى وإن طال تعليمُه، وإن كان أفلاطون، في لبنان بلاد العجائب، يوماً سيتمّ تقاعده، ولو قسراً، مهما كان وضعه وواقعه ورغماً عنه في عمر الخامسة والستين.
والخامسة والستون في مقاييس الدماغ السويّ ريعان شباب الاقتدار إلى نضوج الخبرة وامتلاء الفكرة واكتناز المعنى والقدرة على التوليد والنقد. في عمر لم يعُد فيه المرء طامعاً لإرضاء أحد طمعاً بمنصب أو موقع أو وظيفة أو نصيب، بل عادة ما يكون العطاء والفكر والنقد، عطاء للعطاء، ونقداً لأجل الحقيقة، وفكراً للحياة، تقويماً وتصحيحاً. بل إن أعاظم المفكرين والفلاسفة كانت ستينياتهم من أغزر مراحل إنتاجهم وأغناها، وأكثرها استقراراً وتوازناً وتأثيراً.
والعجب العجاب أنه لماذا لم يتقاعد هنري كيسنجر؟ لماذا لم يتقاعد زبغنيو بريجنسكي؟ لمذا لم يتقاعد جون بول سارتر؟ لماذا لم يتقاعد نعوم تشومسكي؟
هكذا القانون مجرم بخمسو نجوم. قانون يُحدث فواجع، يرتكب عمليات اغتيال مدمرة ويشتت أسر ويدفع ادمغة غلى التوهان والجنون والموت. بخاصة عندما تشترعه عقول بليدة في السلطة التشريعية، لتعمّم “حذاء” صينياً واحداً لكل الأدمغة. فلا تترك مجالاً لخيار سوى القتل بقرار الاقتلاع إلى التعليم الخاص، إلى النسيان والموت أو الهجرة إلى جامعات العالم لتعتصر فيها عصارات الخبرات التي هي من حق وطننا وبلدنا وأجياله أولاً.
إلى متى سيبقى هذا البلد اللعين طارداً وشموساً، لا يعي ما يسمّى جهابذة مسؤوليه وقادته مصالحه الحيوية وقيمة طاقاته العالية القيمة؟
لروح النخلة العتيّة منى نخلة السلام والحضور الدائم، لعطاء الدكتور جورج حجار المزيد من الشباب والصبر والحيوية، ولمنتدى العروبة، باشتراكيته وما قبلها، التجدّد، لربما آذان العرب الصمّاء ترتعش للحقيقة على وقع أجراسه القارعة في صحاريهم وكهوفهم وبراريهم وسهوبهم وبواديهم.
*في مناسبة ذكرى الدكتورة منى نخلة حجار 10 تموز 2021.
**مؤسس موقع حرمون.
#د.جورج_حجار، #د.منى_نخلة_حجار، #منتدى_العروبة_للدراسات_الاشتراكية، #البقاع_الغربي، #راشيا، #ثقافة_التحرير، #ثقافة_النفط_والتطبيع،#حرمون، #موقع_حرمون، #وكالة_حرمون، #هاني_سليمان_الحلبي