د.هالة الأسعد*
إرادة.. سيادة… قرار.
عواصم منعت، وعواصم سمحت بيقين عدم انتخابه من السوريين في الخارج، بل المأمول والمتوقع أن نهاية أسد الأمة ستكون في صناديق الاقتراع، والسبب أنهم جوّعوا الشعب وحاصروه بعد أن دمروا البلاد، وكان من الشعب إما المقاتل، وإما المهاجر، وإما الشهيد.
أنهكوا شعباً بأكمله حتى أصبح منهم من لم يعد يهتم بشيء.. إحباط وتعب وأسى.. ولكن..!!! في أغلب العواصم خارج الحدود أدلى السوريون بأصواتهم لصالح الأسد.
الأسد الذي ترشّح بهدوء بلا مقدمات مستقلاً عن حزب البعث، الذي لطالما ترشح باسمه ما لبثت ساحات، وميادين سورية من أقصاها إلى أدناها إذا ما استثنينا بعض المناطق، حتى المواطنين بالحسكة هدّدهم المسيطرون عليها بسحب هوياتهم اذا ما ذهبوا إلى المربع الأمني التابع للدولة السورية، لكنهم دخلوا بشكل جماعيّ من عدة جهات بحيث لم تتمكّن القوة المسيطرة المدعومة أميركياً من منعهم وتنفيذ التهديدات.
حشود غفيرة، احتفالات آمال معجونةٌ، بالدماء، وآلام الحصار والقهر المفروض على شعب سوريةَ العظيم، حملها السوريون معهم إلى مراكز الانتخاب وأودعوها صناديق الاقتراع. دموع الأمهات والزوجات والآباء والحنين لسورية الأمن والأمان سورية العز سورية الكرامة، سورية المقاومة، سورية السيّدة، كانت الحافز لشعبٍ صامد ليُعيد تجديد ثقته لرجلٍ وقف مع سورية، حافظ على كرامتها، حمى سيادتها وقرارها، فوقفت معه ورد له شعبُها الطيب بالطيب والوفاء بالوفاء فكانت ملحمةً تاريخية مفاجئة وصدمةً مدوية لمن حاكوا المؤامرات، وأعدّوا الخطط لإسقاطه بالصناديق وهو الذي لم تسقطه عشر سنواتٍ من حروب الميادين.
بشار الأسد الاسم الكبير الذي سيكون له حضوره في تاريخ سورية، الطبيب والسياسي البارع، والمقاوم الصلب، الذي لربما لا يملك في جعبته حلولاً سحريّة لوضعٍ شاق ومضنٍ من الفقر، والحصار ونقصٍ في أساسيات الحياة المعيشية كما غالى بعض مؤيديه، لكنه لم يعطِ وعوداً وردية وكان عقلانياً بطرحه وشعاره فأعلن الأمل بالعمل عنواناً لحملته الانتخابية التي حرص كل الحرص على عدم الإسراف فيها، ووجه كل مؤيديه للعمل بدل الشعارات الرنانة، الذي لم يفهمه بعض المؤيدين الذين اعتادوا أسلوباً معيناً في إظهار الولاء لربما لم يرق لأسد العرين لكن همّه هم البسطاء الذين اختاروه، وبايعوه وقدموا فلذات أكبادهم معه على طريق حفظ كرامة سورية ووحدتها.
الغرب بجبروته وطغيانه وقدراته العسكرية والإعلامية والسياسية وقف عاجزاً بعد إصرار السوريين على خوض الانتخابات ليتفاجؤوا بنتائجها والتي تفرض عليهم التعامل مع الأسد لسبع سنواتٍ أخرى وهو الذي أصبح مصدر قلق لهم.
وكيف لا وهو الوحيد الذي تمرد على الإرادة الغربية بدون أدنى مقومات الصمود سوى استقلالية القرار وإرادة الشعب.
فماذا بعد الانتخابات وسورية إلى أين؟!
محاولاتٌ إعلامية عربية وإقليمية وغربية لزعزعة الداخل وضرب سورية من الداخل ومحاولاتٌ حثيثة لإيصال الشعب لمرحلة اليأس النهائي ومن خلف هذه المكنات الإعلامية كل الثقل الدولي لترسيخ المأساة الاقتصاديّة لشعب سورية والسعي لإيجاد الثغرات وصواعق تفجير الداخل السوري، ودفعه لليأس والاستسلام والفوضى وسط نقصٍ في المأكل والمشرب وأساسيّات الحياة ومقوّمات الصمود.
ماذا في جعبة الأسد؟ وكيف سيواجه السوريون؟
خطاب القسم المقبل الذي سيُدلي به الأسد قريباً سيحمل رسائل للخارج لا تهمُ الشعب ولا يعبأ بها أبداً وما نتوقعه هو خطاب دقيق للداخل وعناوين دقيقة مضمونه تحسين الاقتصاد ودفع عجلة الانتاج، ومكافحة الفساد وتقليل الهدر، وحث الجهود والنخب الوطنية الاقتصادية، والسياسية للضلوع بواجباتها الوطنية. حكومةً مقبلة يمكنها التحرك وفعل الكثير، ولا سيما تشخيص العلل الاقتصادية ووضع برامج علاجية حقيقية عنوانها القليل من الكلام والكثير من الأفعال.
مصارحةٌ واثقة وأملٌ بغدٍ أفضل سيطلقها الأسد الذي أقل ما حققه لسورية هو بقاؤها موحدةً مستقلة وسيتحرّر كل ما بقي من أرضها ليس تحت سيطرة الدولة ويعود المواطن فيها كما تعود هي الى حضن الوطن، فمن وقف خلال عشر سنوات بوجه كل المشاريع والتسويات المشبوهة التي تردّد ذكرها على ألسن الإعلاميين المشاريع الرنانة معسولة المظهر مسمومة المضمون. الأسد الذي يعلم الكثير ويعرف ما يدور في أروقة ودهاليز السياسة العالمية لا يمكنه إيصالها للشعب البسيط الذي خنقته الحياة وآلمته بالعوز والإرهاق.
العرب وسورية القلب العربي النابض، عشقٌ عذري وحبٌ مستور في جوف الرسائل:
اتصالات ودعوات ووعود بلا ثمار. انظمة عربية مسلوبة الإرادة والسيادة، ترتهن علاقاتهم السياسية وقضاياهم القومية بإشارة السيد الأميركي، وهذا ما ستثبته الأيام المقبلة فلا الأردن، ولا مصر، ولا السعودية قادرة على التقدّم قيد أُنملة نحو دمشق، التي تهواها قلوبهم وأفئدتهم وتصدهم عنها عصا الأميركي الجائرة وسوطه الظالم، حيث شغلهم سيدهم الأميركي بتفاصيل فيها صغائر الأمور.
فمصر المشغولة بتحييد الإخوان الذين أنهكوها ونخروا الجوف المصري وبتجفيف منابع الإرهاب في سيناء وإنعاش السياحة التي تعد مصدر دخلٍ قومي لها لمتابعة السير نحو الحلم بطفرة اقتصادية تتجه بأنظارها لأنقرة، وتسعى بهدوء لإعادة العلاقات مع الأتراك ومقابلة الخطوة بالخطوة لتعزيز أمنها القومي لن تجازف بفتح علاقاتٍ مع سورية حتى على مستوىً خجول وهذا لا شك فيه وستكتفي بالغزل العروبي والاقتصار بالتصريحات الهادئة والتمجيد بشعب سورية، ومنح بعض التسهيلات الخجولة جداً للسوريين، علماً أن السوريين في مصر قد انعشوا اقتصادها ونقلوا لها من جمال سورية ما نقلوا من حلو الحياة.
أما الأردن النائم على صفيح ساخن. القلق في داخله الملتهب بشارعه المهدد بالتفكك والمؤامرات، فلا اتفاقيات الطاقة والتجارة والمعابر يمكنها التطور لتثمر علاقاتٍ حقيقية مع الجارة الصادقة، التي ما قصرت بحق الشعب الأردني الشقيق يوماً وكانت له العون عند الشدة والسند عند الصعاب، ولا العلاقات الأمنية تحمل الكثير من الأمل.
وأما السعودية، التي تدعي أنها حامية لراية العروبة، والعروبة من ذلك براء، لأنها تضرب بالهوية العربية فتمزقها بالتبعية، وعدم الاستقرار فلا حاكم استقرّ له الحكم ولا حاكمها الموعود قادرٌ على خطوة كهذه، لا سيما وأنه في أمس الحاجة لرضى بايدن ليستقر له سلطانه، وليتم تحييد خصومه الكثر في أروقة القصور وأكناف عائلة عبد العزيز، فما الرؤى الاقتصادية، ولا مساعي الانفتاح إلا رقصٌ من الخوف واستقطاب للشارع الذي لا حول ولا قوة له فيما إذا اختارت الولايات المتحدة بديلاً لابن سلمان.
وما مناورات الوفد السعودي قبل الانتخابات إلا جسٌّ للنبض الأميركي تجاه سورية والذي جاء الجواب عليه بلا مبتورةٍ قصيرة صادمة لا يجرؤ أحد من العرب على تجاوزها.
لذلك لا سفارات، ولا علاقات عربية مع سورية ما عدا دولٍ صغيرة لا تشكل رقماً ولا أساساً في المعادلة. بينما سيظل الأسد منادٍ بقداسة العروبة ووحدة الآمال والآلام العربية، ولن يتراجع عن التزامه بمبادئه العروبية الصادقة ملتزماً بحب الشعب العربي الذي أعجبه صمود وانتصارات أمة على يد أسدها فسورية لا تتنازل عن هويتها، والأسد حافظ على الهوية العربية في وجه استهداف هوية أمة وحافظ على دورها المحوري لشعب عربي برمّته اصبح من مريديه في الأمة العربية المجيدة.
أما الغرب الغلام الصهيوأميركي المطيّع:
ربما يغنينا عنوان هذه الفقرة عن الخوض في تفاصيلها لكن ما تؤكده الوقائع على خلاف ما تدعيه وسائل الإعلام هناك براعم لاتفاقيات وعلاقات أمنية ستنتهي ببعض المكاسب للسوريين لكن لن تصل لما يرتجيه السوريون. وهنا صمود الأسد وربطه للتنسيق الأمني بشرط احترام السيادة والندية في التعامل وتفعيل الأقنية الدبلوماسية الحقيقية وإظهارها للعلن.
أما العلاقات مع محور المقاومة، وعلى رأسها إيران فالأسد وسورية أهل وفاء ولن ينسوا وقفتهم وثبات مبادئهم، وسيكون الوفاء عنوان التعامل الندي مع الجمهورية الإسلامية الإيراني فاعتبروهم أشقاء وأخوة الدم.
وستظل المقاومة نهج الأسد وسورية الذي لا يساومون عليه وهم من بذلوا في سبيلها الغالي والنفيس، وستبقى علاقاتها مع دول المحور تسير بوتيرة وثيقة سريعة ولا سيما مع إيران التي تربطها بسورية وشعبها علاقات استراتيجية تاريخية، وستتكلل العلاقات السياسية المتينة بطفرة في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والتي يتم الآن إرساء قواعدها على أسس المحبة والصداقة والاحترام المتبادل.
فخيار سورية وقرارها، هو الصمود والصبر فلم يبقَ في جعبةِ المتآمرين سوى إطالة عمر الحرب والمزيد من الضغوط الاقتصادية إذ أن مشاريع الغرب تترنح في الجزيرة السورية، ومشروع الشمال يصبح عبئاً ثقيلاً على تركيا التي طال انتظارها، وبدأ صبرها ينفد وأما إدلب فلا مشروع فيها سوى الإرهاب الذي كرهه سكانها المغلوبون على أمرهم ولا حول لهم ولا قوة.
وستعود البلاد بهمّة جيشها المقدام إلى عرين العروبة، وقلب المقاومة الحيّ. وسيبقى الأمل لأهل الأرض، وأصحاب الحق بقرار شعبها ورفضهم أن ينتظرهم مصير العراق ولا متاهة أفغانستان وبأملهم سيعيدون لسورية ألقها ولو طال المدى.
وإنّا غداً لناظره قريب.
#بشار_الأسد، #انتخابات_سورية، #صناديق_الاقتراع، #ميادين_الحسم، #إدلب، #شرقي_الفرات، #الحسكة، #حرمون، #موقع_حرمون، #وكالة_حرمون، #هاني_سليمان_الحلبي